د. صادق القاضي

د. صادق القاضي

تابعنى على

رحيل الزعيم "صالح".. مفارقات اللحظة الفارقة!

Thursday 03 December 2020 الساعة 08:42 pm

"الاثنين" الأسود، 4 ديسمبر 2017م، مَعْلم زمني يمني بارز، وعلامة تاريخية فارقة دشنها رحيل الرجل الأول والأكثر أهمية وفاعلية وتاثيراً في الحياة السياسية اليمنية، والتاريخ اليمني المعاصر، على الإطلاق.

"على عبد الله صالح": 40 عاماً في صناعة القرار اليمني، و"الرقص على رؤوس الثعابين"، على رأس هرم الدولة والسلطة، أو قريباً منه، في حقبةٍ هي الأكثر كثافةً بالانكسارات والانتصارات، والأزمات والصراعات والتحولات المحلية والإقليمية والدولية العاصفة.!

في هذا اليوم رحل بشجاعة وشرف، بعد يومين من انتفاضته المفاجئة التي عصفت بكل المواقف والعواطف اليمنية تجاهه إلى النقيض، وأعادته إلى مركز الوعي والحماس الشعبي من جديد، باعتباره هذه المرة البطل والمنقذ والمخلص، والأمل الأخير في حل المعضلة اليمنية برمتها.!

لكن الرياح، عاندت السفن اليمنية، مجدداً،

ورحل الرجل بشكل غير متوقع، تاركاً وراءه فراغاً شاسعاً مخيفاً، ويأساً أكبر تجاه المستقبل، كما لو أن تلك الانتفاضة كانت بالنسبة للشعب هي الاستئناف الأخير من حكم نهائي بالسجن المؤبد في غابة تحكمها مجموعة من الضباع.!

باستثناء شركائه القدامى والجدد. الإخوان والحوثيين. حزن الشعب اليمني كله على نفسه من خلاله، بمن فيهم:

- مؤتمر هادي، بعد انشقاقه عن حزبه، ومحاولة إزاحته عن الحزب، وإعلانه الحرب عليه.. عادوا فوجدوا فيه الأمل في الخروج من شتات المنافي، وأرصفة المراهنات الخاسرة.!

- أحزاب المعارضة، التي عملت ضده، طوال عقود، وتآمرت عليه مع الداخل والخارج، يئست في الأخير من كل شيء وعادت، وعاذت ولاذت به في النهاية.!

- ثوار 2011م، بعد ست سنوات من رفضه ومناهضته وتشويهه.. عادوا بعد فشل كل شيء، وراهنوا عليه في نهاية المطاف.!

- رفاق صالح الذين قفزوا من سفينته 2011م، وحاولوا إغراقها طوال هذه السنين، على رأسهم الجنرال علي محسن الأحمر، عادوا وتعلقوا بسفينته لتنجيهم من الغرق.!

- حتى دول الخليج، بعد ثلاث سنوات من قصف جيشه وحزبه ومقراته وبيوته.. وكل شيء مهم ومفيد يتعلق به.. وجدت فيه مخرجاً لورطتها في اليمن.!

لم يرحمه أحد في سنواته الأخيرة، كلهم شاركوا في شيطنته وإضعافه وتحجيمه وتآكل قوته ونفوذه وإمكانياته.. ثم فجأة.. أصبح هو أملهم الأخير.. في إصلاح ما أفسدته الحرب والسياسة، واستعادة ما فرطوا به بالمكايدات والمناكفات والمراهنات الخائبة.!

لكن الوقت كان قد فات. باستثناء شعبية صالح، وشخصيته الكارزمية، كان الرجل قد تجرد أو تم تجريده من عوامل قوته واحداً واحداً.. ببطء وبالتدريج.. فلم ينتفض إلا ويده خالية من كل الإمكانات المادية والعسكرية.!

ومع ذلك. حضرت المفارقة بقوة.. كيف يمكن لمثل هذا الرجل أن يسقط بمثل هذه السرعة والسهولة التي لا تتناسب مع دهائه وخبرته العسكرية والأمنية المكينة..!؟ 

حتى الآن ما زال الذهول والغموض هما سيدا الموقف الشعبي تجاه الروايات المتداولة عن حيثيات وتفاصيل اللحظات الأخيرة من حياة هذا الزعيم الراحل.!

كان الرقم الأصعب، وكما يحدث عادةً بعد خروج الأرقام الصعبة من المعادلات البسيطة، كان رحيله حدثاً مزلزلاً للمعادلة السياسية والعسكرية في اليمن كلها، مخلفاً وراءه كماً كبيراً من التحديات والمصاعب والصعوبات:

- كرقم صعب. من الصعب التعويض عنه، كحليف أو خصم، أو شريك، أو نقيض، أو ككيان ودور متماسك في مشهد بالغ التشرذم والتشظي والعدمية.!

- للرجل من الحسنات والخطايا ما تنوء بتدوينه العصبة من الكتّاب، ومن الصعب تقييم تجربته الطويلة الحافلة بكل هذه الأحداث والتحولات، وفي كل حال هي مسألة تخص الباحثين والمؤرخين.. لا الهواة والمراهقين.

- من الصعب أيضاً -على عكس ما يظن ويحاول البعض- تحويله إلى كبش فداء لخطايا النظام السابق الذي كان طوال عهده تحالفاً بين قوى عسكرية وقبلية ودينية معروفة.

- أمّا الأصعب على الإطلاق. فهو تجاوزه بالبدائل الراهنة، بل قد يتحول إلى أسطورة تاريخية ملهمة في الخيال الشعبي، بفضل فشل هذه السلطات والقوى والمشاريع الفئوية البديلة.

ختاماً.. بالنسبة لي: "صالح" هو الوجه الذي أحببته وتعلمت عليه الرسم في الطفولة، والرئيس الذي كرهته وتعلمت عليه شعر الهجاء في المراهقة، والحزب الذي لم أرفضه ولم أنضم إليه، والسياسي الذي كتبت معه وضده حتى في صحيفته، وحزنت عليه، كما لم أحزن على أي سياسي يمني من قبل.!