د. صادق القاضي

د. صادق القاضي

تابعنى على

السلطان "بيبرس".. و"الهاشمية السياسية"!

Saturday 14 November 2020 الساعة 05:13 pm

ذات مشكلة هاشمية هامشية. كتب الملك الظاهر "بيبرس"، سلطان مصر والشام، إلى "محمد بن أبي سعد" أمير مكة:

"أمّا بعد: فإن الحسنة في نفسها حسنة، وهي في "بیت النبوة" أحسن، والسیئة في نفسها سیئة، وهي في "بیت النبوة" أوحش، وقد بلغنا عنك أیها السیّد أنك آویت المجرم، واستحللت دم المُحْرِم، ومن یهنه الله فما له من مكرم.. فإن لم تقف عند حدكْ. أغمدنا فیك سیف "جدّك". والسلام".

بهذه البلاغة والتكثيف والوضوح والصرامة.. حسم السلطان "بيبرس" مسألة "الهاشمية" باعتبارها نسباً يفرض على حامليه قيوداً وأعباءً أخلاقية وسلوكية.. إضافية، وليست امتيازاً سياسياً، ولا حصانةً قانونية من أيّ نوع.

وهي كذلك مبدئياً. "افتراض" أيّ فئة أنها تتمتع بأفضلية جينية -وهذا ما يرفضه العقل والعلم والدين- يعني أن عليها أن تكون فاضلة أكثر من غيرها، كمسئوليات والتزامات اجتماعية وأخلاقية وسياسية.. خاصة.

مثلاً: سيكون على الهاشمي، بما هو رجل "فائق" "أن يكون -مقارنةً بغيره- أكثر حرصاً على تحرّي الفضيلة: العدل والإحسان والنزاهة والشرف ونشر قيم الحب والخير والسلام..

كذلك أن يكون أكثر تجنّباً لقيم الرذيلة: الفحشاء والمنكر والبغي والتهافت على الثروة والسلطة.. باعتباره الأقرب إلى الكمال الإلهي والأبعد عن النقص الحيواني.!

حدوث العكس هو دليل بديهي على العكس. أي على أن هذه السلالة أكثر انحطاطا ودونية وتوحشاً.. وأقل إنسانية ورقياً وحضارية.. من غيرها من السلالات والأعراق البشرية.

بطبيعة الحال. لم يتحقق هذا التميّز لبني هاشم. لا إيجاباً ولا سلباً. بغض النظر عن النماذج الإيجابية أو السلبية في هذه الفئة، مثلها مثل الفئات البشرية الأخرى على امتداد الجغرافيا والتاريخ.

فقط "الهاشمية السياسية" هي المشكلة الوحيدة والخطيرة ذات العلاقة، وهي مسألة فكرية لا جينية، كعقيدة قائمة على خرافة الأفضلية السلالية، وبالتالي الأحقية السياسية في العالم الإسلامي.!

لا جديد في القول إن التاريخ والحاضر الإسلامي مثخنان بالكثير من الأهوال التي تسببت بها هذه الفكرة والظاهرة العنصرية في السلطة والمعارضة، قبل وبعد عصر الملك العظيم الظاهر "بيبرس"، والأمير التافه "محمد بن أبي سعد".

كان هذا الأخير ذو الأصول القرشية الهاشمية، يعرف جيداً قدره وقدرته، أمام الأول ذي الأصول المملوكية، ووفق هذه المعرفة بالواقع رد على رسالته أعلاه كالتالي*:

"من محمد بن أبي سعد إلى بیبرس سلطان مصر أما بعد:

فإن "المملوك" معترف بذنبه، تائب إلى ربه، فإن تأخذ فیدك الأقوى، وإن تعفُ فهو أقرب للتقوى، والسلام ".!

هكذا يكون زعماء النعرة الهاشمية في لحظات الضعف والتقية: "مماليك" حتى للمماليك، في مقابل الغطرسة والتعالي العنصري والشعور النرجسي بالكمال والعصمة.. في أوقات القوة والتمكين.!!

..

* الرسالة والرد منقولان حرفياً من كتاب "شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام" للمؤرخ: "تقي الدین محمد بن أحمد الفاسي". في أحداث سنة (675هـ/1276م).