عبدالستار سيف الشميري

عبدالستار سيف الشميري

تابعنى على

"تمخض الجبل فولد فأراً"..

Wednesday 07 October 2020 الساعة 09:37 pm

يحكي أنه في قديم الزمان، كان جماعة من البدو الرحل، مسافرين في أحد الوديان، وحين شعورهم بالتعب من السفر، قرروا نصب خيمتهم في مكان في الوادي بالقرب من الجبل.

وبينما هم جلوس يتناولون القهوة شاهدوا بعض الرمال والحجارة الصغيرة تتساقط من الجبل من فوق. شعر جميع الجالسين بالخوف الشديد ظنا منهم أن خطرا قادما، أو زلزالا أو بركانا، ونهض الجميع مسرعين من المكان وقاموا بمراقبة الجبل جيدا.

وبعد قليل خرج من أحد الجحور في الجبل فأر، وفر أمامهم مسرعا في الجانب الآخر من الوادي، فضحك الجميع، وما توقعوا أن تكون كل هذه الأحجار وهذه الزمجرة سببها فار صغير.

وعندئذ قال أحدهم يلخص الحادثة (تمخض الجبل فولد فأراً).

وأصبحت تلك الجملة التي قالها مثلا شهيرا جدًا تناقلته الأجيال فيما بعد عبر الأزمنة..

يضرب في حال أن يكون الشيء الذي حصلنا عليه غير كاف، ولا يساوي مقدار التعب والجهد الذي بذل في سبيل الحصول عليه.

ولا شك أن الحكومة السابقة، الحالية، القادمة، لا يعول عليها اليمنيون الكثير بسبب التجربة خلال السنوات الماضية، ولو حتى بولادة فأر في الخدمات المهمة. لقد رسخت حكومة معين الذي كان معولا عليه الكثير كشاب من رحم الأسر المتوسطة والزخم الرافض للفساد رسخت بامتياز في أذهان الكثير من الذين يُمارسون السياسة والعمل العام في اليمن، عدا القلة، أن السلطة هي أفضل المداخل للثراء، باستغلال ما توفره من نفوذ يُسهل الوصول للمال العام والولوغ فيه دون الإحساس بالحرج وتأنيب الضمير ولا المسؤولية تجاه حقوق الآخرين.

وأن تصبح السلطة غنيمة ويتم ربطها بالثروة فهذا أمر جلل وفهم سقيم، في ظل شعب يتضور الجوع والحرب والمرض وامتدت المصالح لتشمل أبناء وأقارب العاملين في السلطة التنفيذية.

قال معين إنه معني بالخدمات لكنه نام في الرياض والمحافظات المحررة بدون أدنى خدمات، وأصبح الجميع يلهث في سباق محموم نحو كراسي السلطة طمعا في نعيمها وبريقها وما توفره من امتيازات يسيل لها اللعاب، حتى أصبح كامل جهاز الدولة وكل المشاريع ذات العائد الاقتصادي الجيد، تحت قبضة الإخوان في مأرب وتعز وأصبح تجارهم ومتنفذوهم ومشاريعهم من أحزاب وجماعات انتهازية، هم المتفردون بالسلطة والثروة.

هذا الوضع المخل جعل الكثير يحملون السلاح، لنيل حقوقهم بالقوة وفرض واقع جديد لم تفلح السبل المدنية في تحقيقه، وحتى من حملوا السلاح لا يخلو البعض منهم من داء السلطة وأصبحوا ينتهجون ذات المسلك الذي انتهجه الإخوان، واختفت كل المفاهيم التي تم الترويج لها من ترسيخ مبدأ الشفافية، ومن الأساليب الفعالة والمجربة.

ولعل الحل يكمن في فصم العلاقة بين ممارسة السلطة والثراء، وجعل المناصب العليا في الدولة مناصب عادية لا تمنح من تقلدها نفوذا مطلقا بحيث ينفذ من خلاله لضروب الفساد المختلفة.

هذا النهج معمول به في كل البلدان التي نهضت وحققت الاستقرار السياسي والاقتصادي لشعوبها، عليه نؤكد ان مدخلنا للإصلاح هو مراجعة كافة القوانين واللوائح المرتبطة بامتيازات ومخصصات شاغلي المناصب الدستورية حتى تتناسب مع معيشة معظم أفراد الشعب.

إن أفلحنا في تحقيق ما تمت الإشارة اليه، سوف نضمن أن من يتقدمون الصفوف لممارسة العمل العام هم من الانقياء والخلص وأصحاب المشاريع الوطنية، وسوف يتراجع الفاسدون والطامعون في المكاسب الشخصية وسوف يبحثون عن مبتغاهم بعيدا عن كراسي السلطة، والتي وجب أن تصبح حكرا على من تقدمهم صناديق الاقتراع والمشهود لهم بالاستقامة والأمانة والكفاءة.

لعلنا بحاجة إلى حكومة مصغرة أشبه بحكومة إنقاذ أو حكومة حرب بينما تجري مباحثات الرياض لحكومة موسعة يتم زيادة عدد أعضائها كل يوم كي تفي بمتطلبات الأحزاب، والنتيجة وزراء مغتربون يستلمون بالدولار وشعب يزداد جوعا وحسرة.

ومع غياب الرؤية للحكومة وليس أدل على ذلك تدهور العملة والوضع الاقتصادي، تفتقر الحكومة للقرار.

إن ما تسمى حكومة الحوثيين في صنعاء تقوم بمهام فاقدة له الحكومة الشرعية، ومن العار أن يجد الشعب مناطق الحوثي أكثر استقرارا، وافضل خدمة على ندرتها. الحكومة هي الحاضر الغائب في كل السنوات الماضية رغم الهدر المالي لموظفيها، وهذا أمر يستدعي تسليط الضوء عليه ووضع الأسئلة، ما الذي تنجزه حكومة في دهاليز الفنادق وشاليهات المنتجعات غير المزيد من الإنهاك؟ وإلى متى يستمر هكذا وضع؟

تقول بعض الأخبار أن 71 مليار دولار تلقتها الحكومة كموازنات ودعم خدمات ومصروفات خلال خمس سنوات من التحالف عبر مسميات مختلفة منها ما هو مباشر لخزينة البنك المركزي.. أين ذهبت هذه الأموال؟ وهذا الرقم الخرافي وموازنة اليمن السنوية كانت لا تتعدى ثمانية مليارات دولار كمتوسط خلال العشر السنوات الأخيرة من عام ألفين حتى ألفين وعشرة.

البعض يرى أن هذه الاريحية المالية لاعضاء الحكومة والعاملين معها في الصف القيادي الثاني والثالث والسلك الدبلوماسي مستفيدون من الحرب ويعملون على اطالتها لأنها فرصة تاريخية للثراء.

وهذا الأمر إن كان حقيقيا فهو مخيف وباعث على الخروج الشعبي ضد الحكومة والسلطة العليا في البلد علها تفيق أو يتم تغيير بشكل ما وصولا إلى حكومة إنقاذ تتواجد في البلد وتفي بابسط متطلبات الخدمات اليومية.

وهذا ما يجب العمل عليه وتكرار طرحه عبر السلطة الرابعة وادواتها المختلفة فهي ما تبقى من ضمير لهذا الشعب المطحون.