نولد بلا ذاكرة وبلا خوف، ونصرخ ولا نعرف الألم، ونبكي ولا نعرف الدمع، ولدنا وكنا بلا خطيئة، وتساقطت علينا الأيام تباعاً وبدأنا بالتشكل والتكوين والبناء المفاهيمي للحياة.
بيئتنا اليمنية تخضع لعوامل ثقافية تاريخية تؤثر على التكوينات الأولية للعقل، وتصنع فيه نمطاً يكرر ممارسات اندثرت، وفي نفس الوقت مميتة، بيئتنا لا تشجع التحديث الإيجابي الذي ينتشل المجتمع من الوحل المزّمن ولا تعطي الفرصة للرؤية إلى المستقبل ولو من ثقب كثقب الإبرة.
استغلال الدين واستخدامه لأغراض سياسية هو أحد عوامل الانحطاط الذي نعيشه، والثقافة الدينية التي لوثت العقل المجتمعي بدلاً من أن تجعله يقظاً قامت بتخديره وتقييده وتكبيله بأفكار هينة سهلت للجماعات الدينية المتطرفة من كسب تأييد وولاءات بعض الناس الذين يرتهبون من الأفكار الخرافية العنيفة والمغلفة بالدين.
بطبيعة الحال فإن المجتمع اليمني متدين من الأساس، وكان التدين يقتصر على الصلاة والزكاة والصوم، وكان الدين أكبر رادع للنفس ومهذباً لها ومانعاً للرذيلة ومقيماً للأخلاق ومحركاً لروح التعاون، وعلى الرغم من الجهل المعرفي والتخلف التعليمي المرتفع إلا أن الدين له هيمنته الفكرية والثقافية والأخلاقية في الوعي المجتمعي.
لكن الأمر لم يبق على حاله، وبدأت الأمور تتجه اتجاهاً مغايراً تماماً للقيم الأخلاقية التي كانت ثابتة في الوعي.
يمن اليوم تعاني معضلة الجماعات الدينية التي تبحث عن مصالحها على حساب القيم المجتمعية، ونتيجة للتطور التاريخي لأنظمة الحكم وفي ظل النظام الليبرالي والتعددية السياسية، فقد استغلت هذه الجماعات وقامت لتأطير نفسها بكيانات سياسية تقاتل لأجل طموحاتها واكتسبت الصفة القانونية لوجودها.
الإخوان المسلمون في اليمن كيان سياسي، لكنه كيان فرعي للتنظيم الإخواني الدولي العابر للحدود، يستخدم أساليبه وألاعيبه الملتوية لتحقيق مآربه وهي الوصول إلى السلطة.
عند اندلاع أزمات العالم العربي قبل تسعة أعوام خرج حزب الإصلاح "الاسم المحلي لفرع الإخوان المسلمين في اليمن" إلى ساحات الاعتصامات داعياً إلى سقوط الدولة ولو على سيل من الدماء، وكان يشحن المعتصمين بثقافة الكراهية والحقد، مع إضافة الألوان الدينية التي صبغت هذه الثقافة.
قام هذا الحزب برسم صورة المستقبل في أذهان الناس تحت عنوان الخلافة الإسلامية التي ستحقق كل الطموحات والأمنيات للناس وترسي دولة الرخاء والنعيم والملذات والثروات، رسم صورة تشابه صورة الجنة في السماء، ولأن المجتمع ضعيف في بنيته الواعية انجرف البعض مع هذه الأوهام وانحنى ليصعد الإخوان إلى السلطة.
وكذباً ظهرت قيادات إخوانية تبشر بعلاج للفقر. وقال الزنداني إن هذا العلاج يأتي من القرآن والسنة النبوية، ولن يتحقق تأثير هذا العلاج إلا بوجود الخلافة التي ينشدونها، وبدأوا بسرد الأحاديث والآيات المفسرة زوراً وبهتاناً ليخضعوا العقل مجدداً في سبيل السيطرة عليها والصعود إلى المناصب والثروة، وهذا ما نراه اليوم.
أين قيادات الإخوان؟؟ وأين الأتباع؟؟ القيادات في نعيم وبذخ ورفاهية مطلقة وكأنهم فعلاً في الجنة الموعودة للأتباع، والأتباع بلا وجهة ولا سبيل يرشدهم في هذه المتاهة من الفقر والعوز والموت في حروب القيادات وفي ضجيج الفكر الإخواني المتطرف.
في مقابل جماعة الإخوان ظهرت جماعة الحوثي الأشد تطرفاً وإرهاباً، ولأن الجماعات الدينية الإرهابية لا تنبت إلا في بيئة متخلفة، ولدت هذه الجماعه في الوسط الرديئ وعياً وثقافة، وألبست العقل الذي أناخ لها ثياب المظلومية الحسينية في كربلاء، واستنسخت لها تفسيراً للقرآن يخدمها ويطوَع أي مقاومة فكرية يدحضها بالعقل والمنطق في الإطار الديني.
قرآنية جماعة الحوثي واستغلالها للتفسيرات المغلوطة أوصلتها إلى السلطة والثروة بعد سيل من الدماء وجبال من جماجم الناس البسطاء الذين انخدعوا بالصورة المزيفة للقرآن الحوثي.
وكحزب الإصلاح المتطرف استخدم الحوثي وسائله وأطلق الوعود التي ستجعل الناس في نعيم ورخاء وتعايش، وسلب عقولهم في لحظة تيه وخدعهم وذهب بهم إلى الجحيم.
أين قيادات الحوثي؟؟ وأين الأتباع؟؟ القيادات في النعيم المطلق والثروة المتزايدة، والفلل العامرة، والأتباع الحفر التي نبشوها لهم وأسموها بالروضات بدلاً من المقابر، وأسرهم في عزاء مستمر وحزن دائم وموت متواصل جوعاً وضعفاً وقلة حيلة.
إنها الجماعات الدينية التي لوثت الدين بطلائها المزيف وجلبت الجحيم، وأضرمت النيران في كل قرية ومدينة، وأسقطت الدولة وداست على القيم الأخلاقية بحواف أقدامها وفي كل مرة تلجأ إلى الله أن ينصرها ويحقق لها مصالحها، والأتباع المغرر بهم يؤمّنون آااامين بدمائهم وحياتهم ومستقبلهم.
لوثة الدين خطر لا بد أن نتكاتف لفضحها ومقاومتها، بلادنا لن تنعم بالحياة والسلام والتعايش في ظل وجود الجماعات الدينية المتطرفة التي تستغل الدين خدمة لمشاريعها كجماعة الإخوان المسلمين وجماعة الحوثي الإرهابية.