محمد عبدالرحمن
المرحلة الأخيرة للتحول الاستراتيجي للحرب في اليمن
بعد خمسة أعوام من بداية عاصفة الحزم التي أطلقها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لاستعادة الشرعية اليمنية من الانقلاب الذي قادته جماعة الحوثي المتطرفة عقائدياً، وبمنطق سلالي استعلائي على بقية شرائح المجتمع اليمني، لم تنتج شيئاً ملموساً على أرض الميدان.
لا تزال هذه الجماعة تتوغل في الجسد اليمني مفككة أواصر السلم والتعايش المجتمعي وزارعة بذور الطائفية والعنصرية البغيضة، ومحكمة قبضتها على جغرافية الشمال.
في المقابل لا تزال الشرعية اليمنية المدعومة إقليمياً ودولياً تتنقل بين فنادق الرياض وأنقرة، حيث يستحوذ حزب الإصلاح اليمني، الجناح المحلي لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، على الشرعية كمنظومة قرارات وتوجهات دولة الجمهورية اليمنية والسلطة المخول لها استخدام القوة القاهرة حسب الدستور.. ولكن، للأسف الشديد، هناك عوامل مؤثرة حرفت مسار الشرعية من محور مقاومة الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة إلى محور التعاون الكامل والتماهي مع الانقلاب وتفكيك منظومة الجمهورية وسلخ المجتمع من هويته اليمنية الوطنية وتدجينه بالهويات القاتلة.
الحرب منذ خمسة أعوام لم تحقق أي مكاسب سياسية ربما تكون هناك مكاسب عسكرية لكن هذه المكاسب حدثت خارج نطاق الشرعية التي ظهرت عاجزة عن تحقيق أي مكاسب ملموسة.
ولدت أطراف وتشكيلات عسكرية بعد فشل الشرعية الإخوانية، واكتسبت هذه الأطراف شرعيتها من داخل المجتمع الذي يحتضنها وشرعية المكاسب والانتصارات التي حققتها على أرض الواقع، وفرضت نفسها قوة يُعتد بها في حماية ما أنجزته سياسياً وعسكرياً.
هذه الأطراف المتمثلة بالمقاومة الجنوبية وكذلك القوات المشتركة للمقاومة الوطنية في الساحل الغربي (أول قوات عسكريه شمالية تساندها قوات جنوبية) أنجزت في وقت قياسي ما عجزت عنه الشرعية طيلة سنوات، فقد حررت المقاومة الجنوبية مدن الجنوب من ميليشات الإرهاب الحوثي واستطاعت تطبيع الأوضاع بإسناد ودعم التحالف العربي، والمقاومة الوطنية بوقت وجيز تمكنت من تحرير الساحل الغربي وصولاً إلى قلب مدينة الحديدة.
إذاً في هذا الوضع الراهن والذي فيه تتقاسم الأطراف اليمنية الجغرافيا وجدت دول التحالف العربي نفسها في مأزق كبير كانت الشرعية ممثلة بالإخوان المسلمين بقيادة الرئيس هادي والجنرال علي محسن هي من أوصلت التحالف إلى هذا المأزق الخطير، وذلك بسبب حسابات لا علاقة لها بأهداف الحرب.
الأهداف التي وضعها الإخوان المسلمون بعيدة عن قيم استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي، لقد ارتبطت تلك الأهداف بحسابات التنظيم الإخواني، واشتبكت مع هذه الحسابات أهداف لدول إقليمية مثل قطر وتركيا وإيران، وذلك لتنفيذ أجندتها وسياستها العدائية تجاة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
هذه الأهداف العدائية جعلت من إطالة الحرب وإنهاء الانقلاب وسيلة لمحاولة إغراق السعودية والإمارات في وحل الحرب وإنهاك الميزانية لكلتا الدولتين وخلق رأي عام دولي ضد الدولتين بهدف الضغط عليهما للتخفيف من هجماتها ضد الجماعات الدينية المتشددة المرتبطة بتلك الدول -أي إيران وتركيا وقطر- وكذلك للمساومة في قضايا إقليمية كقضية الملف النووي الإيراني وتدخلات إيران في المنطقة والأحلام التوسعية التركية وتدخلاتها في المنطقة أيضاً.
جعلت جماعة الإخوان المسلمين في اليمن من أهداف ومصالح دول إقليمية هي الغاية التي تريد تحقيقها على حساب اليمن والسعودية والإمارات، وقامت مؤخراً بشد الحبال التي تربطها مع جماعة الحوثي الإرهابية، معلنة الاندماج الثنائي للأهداف المشتركة بين الجماعتين والسعي لتحقيقها بمستويات مختلفة ومتنوعة وبتناغم تام يجعل من تحقيق الأثر لها ملموساً على أرض الواقع.
ولا بد من استرشادات تدلنا على بعض الخطوات المتعلقة بوحدة الأهداف للجماعتين الإرهابيتين، فمنذ ثلاث سنوات توقفت أغلب الجبهات المشتعلة بين الجماعتين وهدأت رياحها وكأنها رياح سلام جعلت كل طرف في مكانه يستنشق الهواء بينما الغبار يغطي مدن اليمن بالخراب والموت والمجاعة.
بالإضافة إلى ما يمكننا اعتباره بالتعاون الاستخباراتي العميق في تصفية بعض القيادات الوطنية التي كان يمكن التعويل عليها في إيقاف نزيف الدم اليمني لما لها من مكانة اجتماعية وثقل سياسي كبير، يتمحور هذا التعاون ويصل إلى ذروته في قصف الصالة الكبرى في صنعاء وقتل العديد من كبارات ورجالات الدولة المنتمية لحزب المؤتمر الشعبي العام، كان هذا القصف هو ثمرة تعاون حزب الإصلاح وجماعة الحوثي.
وكذلك تصفية الانتفاضات التي انفجرت في وجه الحوثي وفي مناطق يسيطر عليها كمقاومة منطقة حجور وعتمة، وانتفاضة الثاني من ديسمبر في صنعاء.
التعاون العسكري بين الجماعتين وصل ذروته، السلاح الذي كان التحالف يقدمه لجماعة الإخوان للقتال كان يصل إلى يد جماعة الحوثي وكأنه غنيمة تم اقتسامها بين الجماعتين.
التعاون السياسي وصل ذروته في اتفاق استوكهولم بشأن الحديدة، وايقاف معركة الحديدة بقرار دولي أعاق تقدم المقاومة الوطنية في الساحل الغربي.
هذه المراحل من التعاون بين الجماعتين أوصل التحالف العربي إلى مرحلة جديدة من الحرب لا بد أن يستكمل خطواتها ويبلور أهدافها ويعيد ترتيب أولوياته وتفسيراته المبنية على قاعدة أن الشرعية التي يستولي عليها الإخوان هي القادرة على خوض المعركة وتحقيق الانتصار، وخاصة بعد تأكيدات الفشل المدوي لهذه الشرعية بتحيزاتها الفكرية وحساباتها الضيقة وأهدافها التي تناقض أهداف التحالف شكلاً ومضموناً.
تحول استراتيجي أخير يقوم به التحالف العربي لإنهاء الحرب في اليمن وتحقيق الأهداف المعلنة، بدأت الإمارات العربية أول خطوات هذا التحول وذلك بتخفيض تواجدها في اليمن بعد أن تمكنت من تدريب ما يقارب مائة ألف مقاتل، واستمرارها في الأعمال التنموية والإنسانية.
حيث تعتبر المقاومة الجنوبية والقوات المشتركة قادرة على حماية المناطق المحررة والمحافظة عليها وقادرة على التقدم الميداني في المعارك، وهذا ما نلمسه في الضالع والحديدة.
في المقابل ستجد المملكة العربية السعودية نفسها مجبرة على التخلي عن جماعة الإخوان المسلمين المتواجدين في فنادقها وخاصة بعد وضوح التقارب والاندماج بين هذه الجماعة وجماعة الحوثي وظهور نتائج التعاون بينهما علناً، وكذلك مع زيادة الهجمات الحوثية بطائرات إيرانية مسيرة على منشآت مدنية وتهديد الملاحة البحرية الدولية بشكل مستمر وذلك بزرع الألغام البحرية والهجمات الانتحارية بزوارق بحرية.
هذه الشواهد السابقة تجعل من السعودية تعيد النظر مرة أخرى لتقوم بتجريد الشرعية من ملابسها وكشف عورتها، والنظر في القوات التي تشكلت رديفة للشرعية والثابتة في الميدان لحسم المعركة والانتهاء من خمس سنوات تسيد الإخوان الموقف وخانوا العهد والانتماء للأهداف المعلنة لكسر الإرهاب الحوثي.
التعويل اليوم في هذا التحول الاستراتيجي سيكون على قوات المقاومة الوطنية والمقاومة الجنوبية، وهذا ما ينتظره الجميع.