الحرب غالبًا ما تكون صورة مناقضة للأخلاق، مهما بدت في بادئ الأمر قوتها ناعمة وساحرة ومثالية الغايات إلا أنها لا تستمر طويلاً في جرجرة هذه الادعاءات وراءها، مهما رشحت قصص الشهامة، والمواقف الإنسانية منها إلا أن ما ينمو في أعماقنا كبشر لن يكون سوى العنف، لا سوى العنف، ولو كان على صورة بطولة، وما قد يبدو أخلاقا رفيعة في نظر مجموعة من الناس قد لا يظهر على ذات الشكل في نظر مجموعة أخرى، في هذه المسافة تحديداً يمكن أن تتحول البطولات إلى جرائم، والأخلاق الحميدة إلى أعمال قذرة.
بينما الحب لا يمكن أن يبني في أعماقنا سوى أخلاق رفيعة، إنه يهذبنا بطريقة ما، بطريقة ما نؤنسن، إذا استطعنا إحلال الحب بين أفراد المجتمع بديلاً عن الحرب كوسيلة لحسم الصراعات الفردية قبل الجماعية سنكون بمعزل عن الحاجة لأي ترتيب لرأب الصدع بين الناس، أو للتأكيد على أهمية التخلق بالأخلاق الحسنة، حتى القوانين ستجد نفسها حاضرة بين هؤلاء دون الحاجة إلى عصا.
على الرغم أن هذا لا يبدو واضحًا للناس هنا وحياتهم غارقة في ملامح الفوضى والعنف والكراهية كونهم لم يروا غير مشاهد العنف والكراهية فأصبحت بمجملها روتينا مقبولا وسلوكا معتادا، فهم لم يروا سير الحياة في مكان آخر لا يحمل أي ملمح من ملامح حياتهم هذه التي يعيشونها إلا أن الأمر بدا مشابها حتى لأولئك الذين تمكنوا من الخروج بعيداً عن حدود بلدهم ومشاهدة ملامح الحياة الطبيعية بين الناس، على الرغم من تغزلهم بنمط الحياة تلك التي شاهدوها مختلفة كثيراً عن حياتهم وافتتانهم بتلك السلوكيات والمشاهد وتمنيهم لو كان مجتمعهم يعيش حياة مماثلة إلا أنهم سرعان ينسلخون عن كل ذلك بمجرد وصولهم مطارات بلدهم أو كلما هموا على وضع أقدامهم على عتبات الأحاديث التي تتصل ببلدهم، تلك المعاطف التي يرتدونها مؤقتًا في تلك الزيارات القصيرة سرعان ما يخلعونها ما أن يعودوا للحياة التي يرونها سيئة لكنها غير قابلة للتغيير!
على فكرة قد ينظر البعض لهكذا حديث أنه مثالي في ظل وضع سيء وكارثي كالذي نعيشه، لكن غض الحديث عنه ليس فيه أي قدر من المثالية أيضًا، نحن في حاجة ماسة لإعادة تقييم حياتنا كأفراد وجماعات قبل القفز بعيداً في نقد الوضع العام وكأنه نتج فجأة دون أية مقدمات أو أسباب!
*من صفحة الكاتبة بالفيسبوك