عيدروس وطارق.. تحالف الضرورة في وجه الإصلاح والحوثي
Tuesday 13 February 2018 الساعة 07:36 pm
مشاركة
يتفهم العميد طارق عفاش ومثله قيادات حزب المؤتمر المتواجدون في العاصمة عدن، أن معركتهم اليوم ليست من أجل "الوحدة" ولن تكون كذلك حتى بعد سنوات طوال.
مقتل صالح كان حدثاً جللاً، ووحده كان كفيلاً بالنسبة لهم لتغيير الكثير من المعتقدات بعدما اصطدموا بواقع جديد فرضته حقائق القوة والأرض، التي تشكلت منذ سنوات طوال وفرضت أمراً واقعاً منذ ما بعد حرب 2015م، هذه القوة والحقيقة كان أهمها الحراك الجنوبي والمقاومة الجنوبية التي أصبح لها اليوم جسد تنظيمي ومؤسسة واحدة اسمها المجلس الانتقالي.
العميد طارق، الذي قدم، مُؤخراً، إلى العاصمة عدن لمراكمة قوة جديدة عسكرية وسياسية تعيد المؤتمر الشعبي العام إلى الواجهة تحقيقاً للأهداف التي رسمها التحالف؛ وهي أهداف متفق عليها أن هدفها الأول والأخير مجابهة الحوثي كهدف أولي، ومن ثم تقليص نفوذ حزب الإصلاح كهدف ثانٍ، بما يحقق توازناً للقوى التي انفردت في شمال اليمن، والتي استغلت التحالف العربي خلال الفترات الماضية لبناء قوة ذاتية، هذه القوة التي شُكلت خصوصاً في مأرب باتت اليوم هدفاً محورياً لقوات التحالف، وعلى وجه الخصوص دولة الإمارات العربية التي تسعى إلى خلق قوة توازي نفوذ حزب الإصلاح وتفوقه أيضاً، وذلك بغية تحقيق أهداف عمليات التحالف العربي الذي لن يسمح لأي حزب أو قوة لامتلاك قوة خارج إطار الدولة خصوصاً الحزب الإخواني القريب من تنظيمات الإرهاب والذي أصبح اليوم يشكل خطراً على التحالف وعلى اليمن أكثر من الخطر الذي تشكله جماعة الحوثي على متون الحدود اليمنية السعودية.
صحيح أن شعارات طارق وجنوده التي أستفزّتني أنا واستفزّت الآلاف ممن قدّموا التضحيات الجسام في سبيل استعادة الوطن الجنوبي المطعون مرتين بنيران الوحدة، غير أن هذه الشعارات وإن قيلت فإنها لا تشكل اليوم خطراً حقيقياً على الجنوب بحسب معطيات الأرض والواقع التي تؤكد أن قوات المقاومة الجنوبية هي صاحبة القرار اليوم، وهي من ستحول أي أهداف أو شعارات إلى سراب تهدف إلى إعادة الجنوب إلى ما قبل 2015م.
معلومات أولية تحصَّلتُ عليها، وهي بمثابة تأكيدات عملية أن قوات طارق التي تصل على شكل دفع إلى عدن، ستمكث بشكل مؤقت في عدن وستنتقل فور استكمال بنائها وجاهزيتها إلى جبهات الشمال انطلاقاً من الساحل الغربي، والحديدة على وجه التحديد، وبالحديدة بالذات، حيث تقول الحقائق إن صالح وحزبه يملكون كلمة الفصل ويحظون بحاضنة شعبية هناك، ولا يمكن لأي قوة أن تفرض نفسها أو أن تحقق أي انتصار أو استقرار في هذه المحافظة المحورية ضمن أهداف عمليات التحالف العربي، إذا لم تكن مشكلة من البيئة الشمالية ومكوناتها الحقيقية التي تمتلك حيثية سياسية وشعبية تكفل لها تحقيق الانتصارات هناك.
يحارب حزب الإصلاح اليمني بشكل شرس من أجل استغلال تواجد طارق ويستغله لدغدغة مشاعر الجنوبيين المكتوية من كل الأسماء المرتبطة بالرئيس السابق صالح، وهي في سبيل ذلك تسخر كل إمكاناتها وطاقاتها، ومن بين هذه الجهد عمل حزب الإصلاح على تشغيل مكينته الإعلامية بما يخدم أهدافه التي تتعارض مع تواجد طارق في عدن، لما يُشّكل تواجده وإعادته مجدداً إلى أرض المعركة بقوة وبدعم مباشر من التحالف خطراً عليها، لأنها تعي أن هذا الاسم وحده بما يملكه من حضور عسكري ونفوذ قوي من شأنه أن يقوض النفوذ السياسي والعسكري الذي كانت تعتقد أنه لن يكون لأحد غيرها على الأقل في شمال اليمن.
المجلس الانتقالي اليوم معني بخلق تفاهمات واضحة مع التحالف تقوم على أساس خدمة الأهداف العامة للتحالف والجنوب، وفي ذات الوقت هذا الهدف لا يتعارض مع حق الجنوب في تقرير مصيره وبما يضمن عدم تكرار أي سيناريوهات سوداء تعيد الجنوبيين إلى الهيمنة الشمالية وتعيدهم، أيضاً، إلى أحضان المركز المقدس ممثلاً بمشروع "الوحدة اليمنية" الذي تجاوزته الحقائق والوقائع هذا من جهة، وبما يضمن عدم تحقق أي مشاريع تقسيمية خرجت ـ أيضاً ـ من صنعاء وبما عُرف بمخرجات الستة الأقاليم الذي يشكل اليوم، أيضاً، خطراً حقيقياً ينسف كل طموحات المجلس الانتقالي الساعي إلى الحفاظ على وحدة التراب الجنوبي من جهة أخرى.
من المهرة إلى باب المندب.. جنوب واحد قيادة موحدة.. هذا هو العنوان الأبرز الذي ينبغي على الانتقالي اليوم أن يحافظ عليه؛ كونه أنبل الأهداف، وبدون هذا العنوان فإن المجلس الانتقالي لن يكون له أي قيمة أو حاضنة شعبية يستند عليها، إذا ما فرَّط بوحدة الجنوب السياسية والجغرافية.
وعليه، فإن دعم طارق ومن معه يجب أن يكون مشروطاً وواضحاً، ولا يتجاوز هذا الدعم الخطوط الحمراء التي رسمها الجنوبيون بالدم على طول خارطتهم الجغرافية وعمدوها سياساً بالكيان السياسي الذي أصبح اليوم معنياً ومفوضاً شعبياً للتحدث عن أهدافه وخصوصيته بما يمنع أي تجاوز أو نسف لكل هذه الجهود التي دفع ثمنها غالياً لسنوات طوال.
وعلى الجنوبيين اليوم فهم الواقع اليمني المتغير على وقع تركة الرجل المقتول أكثر من غيرهم، واقعاً تبدلت فيه التحالفات والقوى، وأصبح عدو الأمس حليف اليوم، وبلغة السياسية فإن تحالف اليوم مع طارق أصبح تحالفاً ضرورياً ولا يجب مواراته وإدارته من خلف الكواليس، طالما وهذا التحالف كفيل بتحقيق أهم الأهداف الجمعية للتحالف والمجلس الانتقالي.
متغيرات واقعية تفرض على الانتقالي مكاشفة حقيقية مع الشعب، بما يكفل الإجابة على الأسئلة الحائرة التي يطرحها الشارع الجنوبي، ويبدي تخوفاً واضحاً تجاهها، خصوصاً وهذه العلاقة ماتزال مبهمة ويكتفي قادة الانتقالي بالتأكيد على دعم المجلس عسكرياً لأي مقاومة شمالية ستقاتل الحوثي، في الوقت الذي يجب أن تسمع الشارع الجنوبي أن هذا الدعم المُعلن والمُتّفق عليه كفيل بأن يحقق للمجلس أهدافاً سياسية ويضمن من خلالها تعزيزاً أكبر لقوته واعترافاً رسمياً به كشريك للتحالف ويمنحه صلاحيات أكبر تؤهله ليصبح سلطة أمر واقع في محافظاته المحررة، ويعزز أيضاً من حضوره الدبلوماسي على الساحة الدولية باعتباره كياناً سياسياً يمثل الجنوب اليمني وقضيته العادلة.
*رئيس تحرير موقع البعد الرابع