رامز الشارحي

رامز الشارحي

تابعنى على

التفاهم الاجتماعي والاعتراف بالأخطاء.. مهام وطنية

منذ 53 دقيقة

من يعتقد أنه قادر على تطويع الناس لصالح مشروعه في هذا العصر، إنما يعزل نفسه عن الواقع، وسيدفع ثمن هذا الوهم عاجلًا أو آجلًا. ولو امتلكت القوى السياسية قدرًا كافيًا من العقل لأدركت أن فشل قيام الدولة واستقرار البلاد هو نتاج جروح تراكمت بفعل طعنات متوالية في الجسد، مارسها من توهّم أن السلطة تُحفظ بالقوة، ولم يدرك أن الخنجر ذاته سيعود في النهاية إلى صدر صاحبه، وهذه سنن تاريخية لا يمكن لأي أحد الهروب منها.

نحن اليوم أمام شرعية شكلية، ومؤسسات دولة منهارة، وتفكك مناطقي، وعصبيات تنمو كالفطر، وجماعة طائفية متمردة، وشبكات مصالح متداخلة. هذا كله ليس حدثًا طارئًا، بل نتيجة طبيعية لسنوات طويلة من إدارة المشهد بالأدوات نفسها، وبالتصورات نفسها، وبالأحلام نفسها التي بقيت دائمًا دون مستوى الدولة. بلد ينزف، وذاكرة مليئة بالخذلان، وأجيال تحمل آثارًا نفسية عميقة من شعور الانكسار وسلب الحقوق. أطراف عديدة خاضت صراعات متشابكة، وعندما تحالفت حملت تناقضاتها معها، وفشلت في بناء بيئة صحية لإدارة مصالح الناس.

هذا الواقع لا يقبل تكرار أخطاء الماضي؛ لأن خطوة واحدة خاطئة تعيد صاحبها إلى النقطة نفسها، لكن من دون فرصة ثانية. فالزمن لم يعد زمن التجارب، ولا يحتمل إعادة اختبار الوصفات القديمة في ظروف أكثر هشاشة.

وفي خضم هذا المشهد، يواصل البعض الاعتقاد أن تشكيل قواعد الدولة يمكن أن يُبنى على أهواء فردية أو نزعات شخصية، مع أن التجارب أثبتت أن أي شرعية لا تقوم على التوافق والضوابط ستنتج واقعًا مشوهًا يدفع ثمنه الجميع. والتاريخ اليمني شاهد على أن معظم الاتفاقيات والمعاهدات انتهت بسهولة؛ لأنها وُلدت في بيئة مأزومة ونفوس لم تُشفَ من صراعاتها.

لقد مرت عقود ولم نر سياسيًا يمنيًا يكتب بشجاعة عن أخطائه، أو عن الدروس التي خرج بها، أو كيف أخفقوا في كتابة عقد سياسي جديد. هذه التشوهات العميقة لا يمكن تجاوزها دون اعتراف صريح من النخب أولًا، وفهم جذري لجذور الأزمة، يتبعه مسار جاد لإعادة بناء الذات وتقويم النفس اليمنية. البداية الحقيقية تكون بإزالة الندوب، خطوة بعد خطوة، بعيدًا عن الشكل والضجيج الواهي، حتى تظهر إشارات أولية على الاستقامة، كما لو أنك تسقي شجرة طالها الجفاف وتقاسمتها المواشي، ولم يبقَ منها إلا جذع ينتظر من يعتني به.

لهذا، نستطيع القول إن رحلة التعافي للسياق اليمني طويلة، تبدأ من حيث الآن، بعيدًا عن نزوات الأفراد وأوهام القوة، وبالاقتراب من الحقيقة التي تقول إن الدولة لا تُبنى بالغلبة، بل بمداواة جراح الماضي وخلق بيئة صالحة للسياسة قبل الحياة.

من صفحة الكاتب على الفيسبوك