عمر الشارحي

عمر الشارحي

تابعنى على

عدن.. المدينة التي صقلتني وأحببتها

منذ ساعة و 26 دقيقة

تهفو الروح إلى عدن، المدينة التي قصدتها للمرة الأولى وأنا طفل في الصف الأول الابتدائي تقريبًا، برفقة والدي الذي كان يعمل في بابور نقل.. كنت أنام مع اثنين من إخوتي فوق متن "القلاب الأزرق" الذي استأجره والدي من زوج عمتي، ننام على هبوب البحر بمحاذاة الشاطئ، هناك ذقت لأول مرة طعم الجبن والحلاوة في عشاء بسيط تخلله قلص ليم، وما زلت أحتفظ بتفاصيله في الذاكرة، كما أتذكر أيضا أننا استفقنا ذات صباح لنكتشف أن راديو والدي، الذي كان لا يفارق يده عشقًا لسماع الأخبار عبر محطة BBC، قد سُرق... ورغم الموقف، بقيت تلك الأيام محفورة في قلبي بصفائها وبدايات الدهشة الأولى في عدن.

في عام 2011 انتقلت إلى عدن للمرة الثانية وقد صرت يافعًا، اخترتها دون سائر المحافظات طلبًا للعمل.. هناك، جنيت أول مالٍ خارج قريتي بعرق الجبين، بدأت رحلتي في النجارة بمنطقة التقنية مع مقاول من زبيد، ثم انتقلت للعمل في البناء بمدينة إنماء مع مقاول من تعز، قبل أن أنتقل لاحقًا إلى مقاول من حجة كان يُعرف بـ"المطوع" وهو من بيت السودي، وبعد ذلك خضت أعمالًا مستقلة بنظام المقاولة في التسوية ونقل مواد البناء إلى الطوابق العليا مع رجل من أبين يكنى "أبو صالح"؛ كان مهذبًا للغاية، وما زلت أكن له احترامًا كبيرًا رغم أن معرفتي به لم تتجاوز حدود العمل.

في المنصورة عملت في تركيب البلاط داخل مبنى أظنه فندقًا يعود لرجل من يافع كان مغتربًا في الخليج، لا أعرف اسمه، وعند تسليم العمل حضر بنفسه وقدم لنا مكافآت مالية في اليوم الأخير تقديرًا لجهدنا، منحني 12 ألف ريال، أي ما يساوي تقريبا أجرة 6 أيام لعامل بناء حينها.

اختتمت رحلتي بالعمل في بوفية في الهاشمي لرجل من محافظة إب وكنت أعمل مباشرًا منذ الساعة 5 فجرًا حتى ال9 مساءً، لكنه لم يسلم لي كامل حقوقي عند مغادرتي، وما تزال لي لديه حتى اليوم 4800 ريال.

أحمل لعدن الكثير من العرفان، هي المدينة التي علمتني كيف أواجه الحياة باقتدار، صادفت فيها وجوهًا كثيرة من مختلف محافظات البلاد عملت معهم أو عرفتهم، نمنا على أسطح المباني العالية، نكابد لسعات البعوض، خصوصًا في المنصورة. لكن الصورة التي استقرت في ذهني عن عدن منذ ذلك الوقت أنها المدينة التي صقلتني في مقتبل العمر، وشكلتني كما أنا… وأنني والله أحبها.

من صفحة الكاتب على الفيسبوك