سمية الفقيه

سمية الفقيه

تابعنى على

تعز .. ملفات شائكة وسلطة تتجمّل فوق الدماء!

منذ ساعتان و 19 دقيقة

تعز لا تمر بمرحلة خطيرة فحسب، بل تمر بامتحانٍ وجوديّ قاسٍ، هو الأخطر منذ اندلاع الحرب، والأكثر مرارة منذ أن أصبحت هذه المدينة تُحاصر تارةً بالبارود، وتارةً بالصمت، وتاراتٍ كثيرة بالخذلان.

اليوم، تُختزل مآسي تعز في ملفات معلّقة، بعضها أُغلق عمداً، وبعضها يُفتح ويُغلق حسب المزاج السياسي، أما المواطن فمعلّق بين قهر الواقع وعبث المتسلطين. ملفات الأمن وجرائم القتل، الفساد، الخدمات، العدالة، كلها تدور في حلقة مفرغة من اللجان والتبريرات والوعود الكسيحة.

لكن الأخطر من كل ذلك، أن يخرج علينا المرجفون وهم يصفون من يكتب عن هذا الخراب بأنه "يحرّض على الدولة"!

أيُّ دولة هذه التي نخاف أن ننتقد فسادها؟

أيُّ دولةٍ تُحصّن الفاسدين وتُشيطن الناقدين؟

منذ متى أصبح كشف العورات السياسية جريمة؟

ومنذ متى صارت المطالبة بالأمن والتحقيق في جرائم القتل والنهب، خروجًا على النظام؟

نكتب لأننا نريد دولة، لا عصابات.

نصرخ لأننا نريد أمنًا، لا فوضى.

نفضح الفساد لأننا نريد مؤسسات، لا مراكز نفوذ تتقاسم المدينة كما تُقسم الغنائم.

ليس التحريض أن نكشف عن فشل الأجهزة الأمنية، بل التحريض هو صمت من يتستر على القتلة.

ليس التحريض أن نفضح تغوّل الفساد، بل التحريض هو تبرير بقاء الفاسدين في مواقعهم.

وليس التحريض أن نكتب، بل أن نصمت ونترك المدينة تموت مختنقة بالظلم والعبث.

وسلطة الأمر الواقع في تعز، قبل غيرها، مُلزَمة بتفكيك هذه الملفات المشتعلة، ومواجهة الحقائق بشجاعة، لا بتجميل القبح ولا بالتستر على ما هو أقبح. فوظيفتها أن تُصلح، لا أن تُراوغ. أن تُعيد الثقة، لا أن تُغرق الناس في الوعود والشعارات.

تعز صارت اليوم تعيش على فوهة جرحٍ مفتوح.

مدينة تُنهكها الحرب، وتستنزفها الفوضى، ويُتاجر بها من الداخل قبل الخارج.

ومع ذلك، ما زال في تعز من يكتب، من يصرخ، من يرفض أن يتحول حب المدينة إلى شعارٍ ميتٍ على جدارٍ أصم.

نعم، ملفات تعز شائكة، معقدة، مؤجلة حتى إشعارٍ آخر..

لكن هذا الإشعار الآخر لن يأتي ما دمنا نخاف الحقيقة، ونحاكم القلم بدل أن نحاسب  السلاح والقتلة والمتسترين عليهم.