سمير رشاد اليوسفي

سمير رشاد اليوسفي

تابعنى على

تعز في ذمتك يا رشاد!

منذ ساعة و 47 دقيقة

في تعز، المدينة التي كتبت بدمائها أروع ملاحم المقاومة ضد الحوثيين، تتكشف اليوم مفارقة مؤلمة تدمي القلب وتؤرق الضمير. الجيش الذي حمل على عاتقه مسؤولية الدفاع عن المدينة وأهلها تحول إلى سيف مصلت على رقاب من كان يحميهم.

أكثر من سبعين مطلوبًا أمنيًا يتمتعون بحماية رسمية في اللواء 170 دفاع جوي. يرتدون الزي العسكري بكل ما يحمله من رمزية وقداسة، ويتقاضون رواتبهم من خزينة الدولة، لكنهم يمارسون الإجرام والبلطجة تحت ستار “المقاومة”. وحين تطالب السلطات بتسليمهم للعدالة، يأتي الرد المعتاد: “نحن في حرب مع الحوثي، ونحتاج إليهم”.

أي حرب هذه التي يتحدثون عنها؟ المجرمون يعيثون فسادًا في كلابة والروضة، بينما الحوثيون على خطوط الجبهات. هؤلاء لا يقاتلون الأعداء، بل يحاربون المواطنين العُزَّل. قتلوا افتِهان المشهري، مديرة صندوق النظافة، بعد أن رفضت الاستجابة لابتزازهم المالي. واختطفوا وعذبوا رافت صادق الشميري، نجل نائب رئيس جامعة تعز، لمجرد أنه تضامن مع طبيبة تعرضت لمحاولة اغتيال. وليس ببعيد محاولتهم اغتيال رئيس الجامعة في وضح النهار وقتل مرافقه.

لسنا أمام حالات فردية معزولة، بل أمام شبكة إجرامية منظمة تضم إحدى عشرة عصابة تتخصص في القتل والنهب والاستيلاء على الأراضي. كل عصابة يتزعمها قيادي من القيادات العسكرية، في نظام محكم يحول المؤسسة العسكرية إلى أداة إجرامية منظمة.

خالد فاضل، قائد محور تعز، يحمي هذه العصابات أو يتهاون معها. الجبولي، قائد اللواء الرابع مشاة، يحتجز أطفالًا في سجنه الخاص منذ ثلاث سنوات. عدنان رزيق يدير عصابته الخاصة. هؤلاء ليسوا عسكريين بالأصل، بل “بلاطجة” منحتهم السلطة رتبًا عسكرية لتشريع جرائمهم.

صحيح أن بين هؤلاء من قاتلوا ببسالة ضد الحوثيين ومنعوا سقوط تعز، وصحيح أن رواتبهم الضئيلة لا تكفي لحياة كريمة، لكن هذا لا يبرر تحولهم إلى عصابات تقتل المدنيين الأبرياء. المطلوب حل جذري يحفظ كرامتهم ويحمي المواطنين منهم في آن واحد.

وخلف هذه الفوضى تقف قوى سياسية تدير تعز كغنيمة حرب، مستخدمة هذه العصابات كذراع أمني وعسكري لها. والمسؤولية تصل إلى رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الذي يتحمل كابن تعز مسؤولية ما يحدث في مدينته.

ولعله يتذكر عام 1996، حين بدأ عمله مديرًا لأمن تعز بمواجهة حاسمة لبلاطجة عاثوا في المدينة فسادًا. كانوا يروعون الآمنين في الجحملية وحوض الأشراف وحارات تعز، يقتحمون المنازل ليلًا، ولم يستطع مدير الأمن السابق ردعهم. وكنت آنذاك نائبًا لمدير تحرير صحيفة الجمهورية، فقد واجههم العليمي بكل حسم وقوة، واستأصلهم في غضون أيام معدودة. كما شهدت تلك الفترة أول ظهور لحمود المخلافي وحبسه لمدة عامين في خلاف على أرض قُتل فيها حسين الأعوش من مأرب. ومن تعز انتقل العليمي إلى وزارة الداخلية، حاملاً معه سمعة الرجل الذي لا يساوم مع المجرمين.

اليوم، والعليمي في أعلى منصب في البلاد، تعز تستغيث مرة أخرى. نفس المناطق، نفس الجرائم، لكن المجرمين هذه المرة يرتدون الزي العسكري. هل سيعيد العليمي الرئيس ما فعله العليمي المدير؟ أم أنه لم يظهر بعد نفس الحزم الذي عُرف به في السابق؟

الحقيقة المرة أن تعز لن تتحرر من الحوثيين ما لم تتحرر أولًا من هذه العصابات التي تعيث فسادًا في أحيائها. كيف نطالب بتحرير المدينة من عدو خارجي، بينما أحياؤها الداخلية رهينة لعصابات ترتدي الزي العسكري؟

المطلوب اليوم ليس مجرد تنديد أو انتقادات خجولة، بل أفعال حاسمة: عملية تطهير شاملة تبدأ بإقالة المتهاونين والمتقاعسين واعتقال رؤوس العصابات وتفكيك هذه الشبكة الإجرامية من جذورها.

المطلوب الآن تغيير شامل وعاجل لجميع القيادات العسكرية والمدنية في تعز. لا وقت للتردد أو التأجيل. الشعب لا ينتظر، والوطن لا يحتمل. وإلا، فإن تعز ستبقى أسيرة عدوين: الحوثيون من الخارج، والعصابات المقنَّعة بالزي العسكري من الداخل. والحقيقة المرة أن العدو الداخلي أخطر، لأنه لا يقتل فقط باسم الدولة، بل يقتل الدولة نفسها.

من صفحة الكاتب على منصة إكس