حكاية الدم والحلم والسراب، حكاية اليوم ورواية الغد، لا أسطورة خيالية حدثت بين أروقة هذا البلد وتسلسلات تلاله وجباله.
ذاق مرارة الحكاية شعب تجرّعها علقماً، وأطفال ولدوا وكبروا وهم مكتظون بصوت المدافع والبنادق والرصاص. لم يعرفوا للحلم طريقاً، ولدوا وظنّوا أنّها هيّا هيّا الحياة الطبيعية. لم يعرفوا الحياة ورأوا الموت بين تفاصيل الثواني يتكرّر، ونواح الثكالى بين حين وآخر يعلو، فلا ينبش في شتلات أرواحهم الصغيرة شيء سوى قليل من الانتظار لينتهي المشهد، ثم يتكرّر في مكان آخر.
حكاية بلا بطل ولا منقذين، لا ينتهي المشهد ولم يعد هناك أيّ أمل لتنتظره. ليس مسلسلًا لينتهي، تمتدّ جذوره إلى ألف عام وتتفرّع أغصانه إلى ألف عام.
سطّرت هذه الحكاية في بلد وانهار تواجده ومُحِي تاريخه العريق ليرمى في هاوية الجهل والتخلّف والغياب. لا حضور لمن تأخر بهم الوصول، وفقدوا طريقهم.
لم يزرع الأولون سوى الجهل والتخلّف والضياع، وها نحن نتعلمه بين طيات الكتب. نتعلم كيف نصبح أكثر غباءً ووحشية، كيف نصبح أكثر كراهيةً وطائفية، كيف نقتل، كيف ننهي، كيف نختم حكاية هذا الوطن بخاتمة النهاية الأسوأ والأكثر بشاعة.
نحن نركض عكس ما يركض العالم. لقد عكسنا الطريق، ولقد أصرت أيادي الشيطان إلّا أن تعلو فيُعبد بسم الله والوطن .
حكاية ما تلبث أن تُذكر حتى يتراءى للعالم أجمع شعب همجي متخلّف. هم عرفوا الجهة التي تُؤخذ منها الصورة.
ونحن هناك نرسم حكاية لوحدنا في زاوية من العالم كتب عليها الشقاء.
لقد عرضوا أفكارهم للنقد فاختاروا الأصّح، أما نحن في شعب يثق دون أدنى دليل أنّ عمر وعليّ معركتهما لن تنتهي.
أديروا أنفسكم قليلاً وغيّروا مجرى البوصلة، فلقد عكسنا الطريق فتهنا، وتاهت معنا أحلام كان يجب صنعها في وطن كان ينتظر منا الكثير.
ابصروا إلى خلف ظهوركم، هناك سوف تشاهدون نيوتن وهو يلتهم تفاحته النتنة التي اكتشف بها سرّ دوران هذا الكوكب. سوف تشاهدون أينشتاين وهو يطرح فكرته للقنبلة النووية لتصبح أمريكا بعدها فوق كلّ العالم.
حاولوا أن تديروا ظهوركم، هناك مندل يزرعون الفاصوليا. ازعوها وكلوها بدلاً من أن تسقوا تراب وطنكم الغالي من دماء أبنائه الأغلى. صدقوني، الماء ليس أغلى من الدم.
انزعوا من وجوهكم أقنعة الزيف والخذلان. انزعوها وجرّبوا أن تشتمّوا نسيم هذا الوطن في صباح مشمس تتساقط فيه قطرات الندى.
حكاية اليمن، حكاية شعب أصبح يتمنى العبور إلى الجهة المقابلة. أصبحنا نتمنى أن نرى أحبّتنا هناك، أصدقاءنا متشوقون للقائهم، ولكنّنا ضللنا الطريق.
الشيطان يسكن وسط كلّ فكرة تدعو إلى الكراهية والحقد وتأمر بالقتل. يسكن وسط العمائم واللحى في بقعته المقدّسة التي تكمن بين مفاصل الدين والدولة. فلا أمل للخلاص.
أدرك أنّ الحكاية لا تزال طويلة، وأنّ المسرحية التي بدأت لن يُسدَل عنها الستار.
نحن فعلاً نسابق العالم ولن نستيقظ إلا وقد وصلنا إلى العصر ما قبل التاريخ. وهناك اسألوا الصحابة المبشرين بالجنة لماذا ورثوا لنا الدم والحقد والكراهية لألفي عام؟
اسألوهم، فلا نهاية للطريق التي نمرّ بها إلا أن نصل إليهم. هناك فقط سندرك أنّنا في كارثة.