قرأت وسمعت كثيراً عن المخا، لكن الإحساس الحقيقي لعبق هذه المدينة تجسد عندما عشت فيها على أرض الواقع، ولامست آثارها وتنقلت بين أطلالها.. أدركت فعلاً أنها مدينة الأحلام وأرض الحكايات.. يخاطبك ما تبقى صامداً يقاوم الاندثار أن "موكا" لم يكن مجرد اسم فقط بل كان رمزاً وهوية لما عُرفت بأرض السعيدة.
كلما مررت في أزقة وحواري المخا القديمة يشرد خيالي سابحاً وينقلني إلى مدينة سام "صنعاء" الكثير من التشابه في فن المعمار... أحجار الياجور، والزخارف البيضاء المزخرفة لها ونوافذها المقوسة وابوابها الخشبية، والمشاقص التي تعلو أبواب مبانيها.. الكثير الكثير من التشابه.. لم تعد نفسي تستطيع التفريق بين مدن بلادي الحبيبة التي تتشابه وكأنها نسخ من بعض لتاريخ وأصالة حضارة امتدت لآلاف السنين.
لا يغيب عن ناظريك وأنت تتنقل في ثنايا مدينة حملت شهرة اليمن للعالم
في عصور كانت مظلمة في أماكن كثيرة، لقرون ظل عنفوان وشموخ مبانيها الطينية المرتفعة والمنارات الشاهقة والأسواق العتيقة والحرف التقليدية المتأصلة والموروث المتنوع وانفتاحها الذي جمع الشرق والغرب وتشهد مباني قنصلياتها دبلوماسية الانفتاح والتعايش ومعامل ووكالات تجارية تحاكي النشاط الاقتصادي لمينائها.
إحياء فعاليات الاحتفال بيوم البن اليمني في مدينة المخا التى اقترنت بسمة وبشهرة "موكا" هو إحياء لماضي كل يمني إحياء لماضينا العريق وموروثنا الأصيل..
نحن مقصرون كثيراً في الحفاظ على تاريخنا وموروثنا. أشعر بتأنيب الضمير عندما أجد الكثير من الأجانب يعرفون ويتحدثون ويسردون عن المخا أشياء لم أكلف نفسي حتى البحث عنها في المراجع الكثيرة التي حكت تفاصيل وعراقة هذا المكان.
ولكن ما زال الأمل قائماً بأن هذه المدينة ستنفض غبار السنين وتنهض وستتغلب على تقلب التاريخ ومميزات الجعرافيا بفضل قيادة مخلصة وأبناء بارين بانتمائهم لحضارة أصيلة ضاربة جذورها في أعماق التاريخ.