محمود ياسين

محمود ياسين

تابعنى على

من أجل مشروع إصلاح ديني مسؤول يقظ

Sunday 13 August 2023 الساعة 09:55 am

سنة كم بالضبط هجرية؟ 

لم نعد نهتم لهذا التاريخ، ضبطنا السنوات وفقا لميلاد السيد المسيح، لا أعلن احتجاجي هنا إسلاميا أو على سبيل إدانة هذا بوصفه نكرانا أو خيانة هوية، هو فقط تزمين عالمي متداول استجبنا له. 

لكن: 

ألف وأربعمائة ومدري كم!  

ألف وأربعمائة سنة تاريخ لم يتمكن المسلمون من البناء عليه بوصفه تاريخهم كأمة بقدر ما حاولوا اقتسامه بوصفه تاريخ جماعات. 

وحولوه من حامل إفصاح وجودي حضاري إلى سبب للصراع.

قبل الإسلام كنا مجاميع قبلية تتناحر على الماء والمرعى وجملة أسلاف عنيفة، جعلنا الإسلام حضارة ودولة كانت هي الأقوى في العالم، قرنين تقريبا وعدنا للأصل قبائل متناحرة وقد تحول الدين لحالة من التأويل الشخصي واقتسام الميراث بالتفسيرات الملائمة لبقاء الصراع وليس لبقائنا كأمة. 

كم أحببت ميلان كونديرا وهو حتى وقد أظهر نقده لتعسف وجشع وجبروت الكنيسة إلا أنه بقي يؤكد في أكثر من بحث ومناسبة أن الغرب يدين بوجوده كأمة وحضارة للمسيحية. 

هذا تاريخنا ولا يسعنا الإفلات منه، جزء منا، وكان علينا في أحسن الأحوال خوض عملية إصلاح ديني فاعلة وليس تأويل الدين واقتسام مزاياه وبواعث عنفه، أو نبذه كلية على سبيل المدنية والليبرالية.

 الليبرالية وهي تدفعك لإظهار احترام معتقدات الهند ووثنيات إفريقيا القديمة وتنكر معتقدا هو على كل ما فيه يمتلك نظرية أقرب عقلانية لتفسير الوجود، وفقا لفكرة "العقل الأعظم" وما بين القوسين هي ذاتها نظرية الفيزيائيين. 

اقرأ خطبة حجة الوداع وتدرك التعريف والخلاصة.

كانت آيات اقتلوهم وقاتلوهم تنزل قبل المعركة ومحددة بشروطها ووقتها، حتى فكر ابن تيمية وهو أيقونة التطرف والشاهد لدى الليبراليين على عنف الإسلام، كانت فتاواه مرتبطة بالمغول المحتلين وقد قتلوا بعضا من أهله وشردوا الباقين.

وكان المغول يعلنون إسلامهم زيفا فقام بتكفيرهم وأفتى بقتل المغولي وهو ساجد كونه أسلم حيلة وكانوا بعد الصلاة يذبحون قرى بأسرها ويحرقون الناس أحياء وأفتى بقتل المخالف المغولي المحتل وفقا للحظة والظرف.

وكان المغول يعتنقون ديانة كل شعب يحتلون بلاده، مسلمين في بلاد العرب ومسيحيين في أوروبا، مسلمين في شمال الهند "باكستان حاليا" وهندوس في جنوبها، وجميعهم يتبعون قائدا وامبراطورا لا دينيا واحدا.

فهم ابن تيمية الإسلام فهما ثوريا وليس حرفيا، لكنه أثار معضلة جوهرية ولقد اختلف معه فقهاء عصره في كونه فتح باب تكفير من ينطق الشهادتين وفقا لنواياه، بينما اعتمد هو على "الكفر البواح" الذي أظهره المغول. 

لم يفت من مكانه في ركن الجامع، بل كانت فتاواه إعلاما للمقاومة يتجول بها في القرى يحرض الناس ويحشدهم لقتال المغول ويشترك في المعركة بسيفه. 

متأخرا قامت الوهابية بتبني فكر ابن تيمية وتوظيفه في صراع بيني ضد المسلمين المخالفين لثنائية الشيخ والملك، وبشكل متعسف لا علاقة له بجوهر وقضية ووعي ابن تيمية.

كل الذي احتفت به السعودية من مقولات الرجل بشأن وجوب طاعة ولي الأمر وعدم الخروج عليه مهما اقترف، هي كانت في سياق تمسك ابن تيمية وبحثه عن بقية دولة إسلامية أثناء تساقط الإمارات الإسلامية واحدة بعد أخرى أمام زحف المغول وأثناء حالة من الوهن وتفاقم التمردات وتلك العلاقة العدائية واليائسة بين الناس وحكام تلك الإمارات، كان الحكام ضعفاء ومتهمين بالفسق، يحتفظ لهم الوعي الشعبي بأبشع صورة غير أن ابن تيمية بحاجة لقيادات تلتف الناس حولها فأفتى بطاعة الحاكم وقتها، ولو كان فاسقا.

كان يبشر بطاعة قائد وولي أمر يلتف الناس حوله ويقودهم لمواجهة المغول باعتبارهم الآخر الذي يدعي الإسلام ليسيطر ويقتل ولا يواجهه أحد فأحالنها المملكة على "الآخر" مذهبيا داخل المنظومة الإسلامية الواحدة. 

يجب أن تقرأ وتفهم الظرف الذي عاشه ابن تيمية والتحدي الذي حاول مواجهته وستفهم فتاواه وأهدافها.

وجوهر فكر ابن تيمية كان محاربة الأوضاع التي أضعفت الدولة والمجتمع المسلم أمام زحف المغول وعلى رأسها تكاثر الطوائف والملل والجدل فكانت دعوته للسنة والجماعة، وهو لم يهدف لتجريم التباين مبدئيا ولا إدانة وتكفير علم الكلام بقدر ما هدف من الدعوة للسنة والجماعة وقتها من أجل حماية المجتمع والدولة المسلمة أمام ذلك الخطر وفي تلك الظروف وذلك الزمن. 

شأن مسيحيي القسطنطينية عندما اقتحم "الفاتح" أسوارها وهم يتجادلون حول ما إن كان الملائكة ذكورا أو إناثا.

كان ابن تيمية رجل دولة بعقل فقيه وقلب محارب، فكانت فتاوى وفقه الجهاد متلازمة وثنائية "طاعة ولي الأمر ولو أخطأ وقتل المحتل ولو كان ساجدا" المعركة وحدها كانت وجهته والفتاوى هي الإعلام. 

وبالمقابل يحاول الحوثيون توظيف تلك الوظيفة السعودية لفكرة "التكفيري بن تيمية" بشكل معكوس، معتقدين من جانبهم أن فتاواه هي دستور الوهابية، بينما يفترض بهم اتباع منهج ابن تيمية الظرفي أمام المخاطر وليس فتاواه، منهجه في نبذ الانقسام والطائفية وكل ما من شأنه إضعاف المجتمع. 

تعاليم الإسلام هي إجمالا تعاليم كل الأديان، تجريم الزنا والخمر وقطع الطريق وعقوق الوالدين وأذية الجار. 

على أن معضلة ذهنية رضخ لها البعض بسذاجة وربما بحسن نية وهو يربط الإسلام بالموت  وفي ذهنهم القاعدة وعملياتها مثلا، دون أن يتنبه أي منهم لكون آيات القتال نزلت قبل وبعد المعارك بقليل، وهي آيات تعاليم ظرف وحدث محدد، بينما وردت آيات التعاليم العامة التي تحدد الموقف المبدئي والنهائي من القتل وقدسية الحياة عموما وهي تتفوق على كل التعاليم الدينية والحقوقية ولا يضاهيها هذه الآية أي نص ديني أو حقوقي:

من قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا. 

المرأة كانت في سياق عملية إصلاح وقتية قد لا تلائم زمننا تماما، لكنها وفقا حتى لشائعة ليبرالية متداولة فهي ليست أقل من الرجل في الميراث فهي ترث أكثر من الرجل في عشرين موضعا وترث ولا يرث الرجل في ستة مواضع وترث نصف ما يرث الرجل في أربعة فقط.

بسبب المعارك قتل كثير من المسلمين وخلفوا أرامل وأيتام فنزلت الآية الشرطية "وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع" يعني تزوجوا نساء الشهداء وربوا أيتامهم. 

لم يرد نص تعريفي للدين إلا مرة واحدة في القرآن وهو يتساءل: أتريد أن تعرف من الذي يكذب بالدين؟ "أرأيت الذي يكذب بالدين" وبشكل قاطع "فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين". 

ذلك تعريف الدين، أما إذا أردت أن تعرف من هو محمد فكر فقط في اللحظة التي أتوا إليه بأسير وقف أمامه يرتعد خوفا فقال له: 

هون عليك يا رجل، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة.

الإسلام دون كل الأديان هو من اشترط أربعة شهود يرون تفاصيل العملية بوضوح لتثبت الجريمة، الأمر المتعذر عمليا.

دين ليس علينا الإذعان لتأويل جماعاته ولا قبول تمثيل إرادة الله حصرا فهي متواجدة في إرادة كل إنسان. 

ولربما تطلب الأمر عملية إصلاح ديني مشابهة لتجربة مارتن لوثر، والنضال لفصل الدين عن الدولة، وهذه هي التي تتطلب إدراكا أوليا للفارق بين تجربتين، إذ تمكنت أوروبا من العلمانية وفقا لهذا الفارق، ذلك أن تعاليم يسوع كانت أخلاقية حصرا وبقيت المسيحية مجاميع شاردة هنا وهناك ملاحقين ومضطهدين، مجاميع متخفية حينا ومتسللة أحيانا للساحات وبلاط الأباطرة.

 قرنان وهي كذلك إلى أن حدث انشقاق في البلاط الروماني وقاد الإمبراطور قسطنطين حرب استرداد وكان برفقته راهب من أتباع المسيح الشاردين، نصحه برسم الصليب على دروع جنوده ووعده أنه بذلك سينتصر ففعل وانتصر حقا وبعدها أعلن أن المسيحية هي الدين الرسمي للامبراطورية وأمر بهيكلة ورسم وتحديد التعاليم والطقوس من المناولة إلى الأدعية انتهاء بالشكل الرسمي الذي عليه المسيحية للآن بما في ذلك ألوهية المسيح إانسانيته والتي حددت في اجتماع نيقيا وتم التصويت عليها وأقرت ألوهية المسيح بفارق صوتين، بينما ولا يزال نبينا هاربا من مكة غير أنه يعد سراقة بن مالك بسوار كسرى في حال توقف عن ملاحقته، لتدرك كيف كان يفكر وما هي رؤيته ومشروعه، كان متكاملا ورسالته إيمان وأخلاق وتأسيس دولة من أول يوم، ولم يمض أكثر من عشرين عاما إلا وسوار كسرى بيد سراقة. 

نحتاج مشروع إصلاح ديني مسؤول يقظ وفقا لما نحتاجه الآن كبشر وليس ما يتم قسرنا عليه بوصفه ما تحتاجه منا السماء فهي لا تحتاج منا أكثر من أن نكون بشرا صالحين وجديرين بالحياة، مؤهلين حتى لمبدأ الاستخلاف على الأرض وفقا للمروية الدينية على ثلاثية الإيمان والعدل والعقل.

أما البحث عن هوية مناقضة شكل من مجازفة وجودية لا تخلو من السذاجة.

ألف وأربعمائة عام، اقتطع منها قرنين كأمة ودولة والباقي مجرد جماعات.

كان قيم الجامع الكبير بإب يغضب أحيانا ويصرخ بالمصليين:

ساووا الصف عليكم غضب الله، ألف وأربعمائة سنة وإحنا نقل لكم ساووا الصف.

*من صفحة الكاتب على الفيسبوك