أمام مشهد التطورات والتحديثات التي دخلت على الأحزاب والجماعات في سباقها للتنافس على السلطة، وكذا الوعي الذي طرأ على المجتمع بأهمية الرضا والقبول لمن سيحكمه باعتبار ذلك الأساس الجوهري لشرعية السلطة، يجد الحوثي نفسه بعيداً عن الواقع ويحاول أن يخلق لذاته منهجاً مختلفاً من خلاله يبتغي شريعة الحكم والسلطة والثروة باستخدام الحرب والخطاب الديني.
لا يمتلك الحوثي أمام خيارات الناس وقناعاتهم ورفضهم للأساليب التي ينتهجها للسيطرة عليهم، أي اتجاه ينحاز إليه ويعتبره ملاذاً آمناً للدخول في تنافس على السلطة، لأنه أغلق على نفسه كل الأساليب المتاحة والمشروعة التي يرتضيها الشعب كأسلوب منطقي للوصول إلى السلطة، فهو يرفض فكرة تحول جماعته إلى حزب سياسي، أو الاعتراف بأنها جماعة سياسية لها أهداف وبرامج سياسية تتنافس مع غيرها لتقديم نفسها للمجتمع، وبذلك يعزل نفسه وجماعته عن المشروعية المتاحة للوصول إلى السلطة.
وباعتبار أن جماعته تقوم بالأساس على فكر ديني متطرف لا يتطابق مع المنطق، فإن الدخول في تنافس سياسي مع بقية الأحزاب والجماعات الأخرى بوسائل سلمية، ينفي عنها إيمانها بمبدأ الولاية التي تعتقد وتؤمن به كأحقية إلهية لشخص عبدالملك الحوثي وتكليف له لحكم اليمن وما هو أبعد من اليمن، ولذلك لا يمتلك الحوثي للحفاظ على هذا المبدأ الذي يعتبره مصدر شرعيته إلا استخدام الخطاب الديني الذي يمثل وقودا للحرب كأداءة أخرى للحفاظ على شرعيته المزعومة.
لا يمتلك الحوثي رؤية وطنية منطقية للحكم، فهو في مقابل البرامج السياسية يقدم خطاباته الدينية التي تستند على تأويلات وتفسير للقرآن الكريم حسب ما تقتضيه مصلحته وتوجهه الطائفي، وفي مقابل تقديم رؤى وطنية يسعى إلى خلق تصورات ضيقة مستنبطة من التاريخ وإسقاطها على الواقع، وعلى الرغم من فشل تلك الإسقاطات واستحضار التاريخ، إلا أنها تصطدم بالحقائق وبالوعي المجتمعي، مما يخلق حالة من الرفض يواجهها الحوثي بالقوة والعنف المفرط.
لا يمتلك الحوثي شيئاً يقدمه للناس غير ما يقدمه لهم اليوم، خطابات وعظات دينية بشكل مكثف، بالإضافة إلى الحرب وتمجيدها والإيمان باستمراريتها مستقبلا في مختلف الاتجاهات، سواءً نحو الجنوب، أو باتجاه المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج، بحيث أن هاتين الأداتين هما مصدر شرعيته التي يكرس جهوده لتثبيتها وتعميق جذورها، وعلى هذا الأساس يتمسك بهما وبشكل قوي.