محمد العلائي

محمد العلائي

تابعنى على

رسالة الإسلام بين الزعامة الدينية وأصول الحكم

Monday 27 February 2023 الساعة 06:19 pm

من أهم الخلاصات التي توصّل إليها الشيخ علي عبدالرازق في كتابه "الإسلام وأصول الحكم"، أن "الخلافة"، رغم تصويرها على مدى قرون كمركز ديني وركن من العقيدة، لم تكن إلا مركزاً سياسياً دنيوياً يجري عليها، من حيث المضمون والوسائل، ما يجري على الدول والممالك والسلطنات كبيرها وصغيرها.

فالنبي محمد "ما كان ملكاً ولا مؤسس دولة ولا داعياً لـ مَلِك"، (الإسلام وأصول الحكم، ص154). 

وعلى الرغم من إقرار عبدالرازق بتمتع النبي بسلطة وزعامة ومهابة، إلا أنه يؤكد أنها زعامة من نوع مختلف عن سلطان وزعامة ومهابة الملوك: 

فهي زعامة دينية، زعامة رسالة، ولا ينبغي الخلط بينها وبين زعامة الملِك. (عبدالرازق، ص154).

والوحدة التي تحققت لبلاد العرب في زمن النبي كانت وحدة دينية لا وحدة سياسية "وحدة الإيمان والمذهب الديني، لا وحدة الدولة ومذاهب الملك"، (ص169). 

وبما أن زعامة النبي دينية عن طريق الرسالة، فإن زعامة الخلفاء من بعده لا يمكن أن تكون بأي حال زعامة دينية بل سياسية مدنية، فالرسالة والزعامة الدينية انتهت بموت النبي.

غير أن زعامة النبي الدينية كانت قد هيأت للعرب الكثير من أسباب القوة ومن المقدمات المهمة لتأسيس مملكة ودولة عربية، وما كان لأتباعه -وقد أدركوها- أن يفرِّطوا فيها ويتقاصروا عن البناء عليها.

وبالتالي، فبيعة أبي بكر الصديق في السقيفة، كما يقول عبدالرازق، كانت بيعة سياسية ملكية لا بيعة دينية، ومقام "الخلافة" لم يكن مقاماً دينياً وإنما مقام سلطة ومُلك.

ثم نشأت منذ ذلك الحين دولة عربية على أساس دعوة دينية.. وأما الدين فهو دين للبشرية كلها، لا هو عربي ولا عجمي. (الإسلام وأصول الحكم، ص175).

صحيح أن أبا بكر تلقّب بـ خليفة رسول الله، إلا أن أغراض هذا اللقب كانت سياسية بحتة تفرضها تحديات وضرورات الدول في بداياتها، فهي عندئذٍ بحاجة إلى أي تدبير عملي يعزز من وحدتها، ويحميها من التفكك والاضمحلال.

ولأن تلك الدولة مهّد لها النبي برسالته وزعامته الدينية، فكان لا بد لمؤسسيها الإيحاء من خلال هذا اللقب بأنهم يمثلون الامتداد الشرعي لما بدأه النبي وأنهم خلفاء لمقامه ولكن ليس من موقع النبوة وإنما من موقع السلطة والمُلك.

وأما تلك الأحداث التي سميت بـ حروب الردة، فقد كانت في الغالب حروب إخضاع لأقوام وزعامات عربية تخلّفت سياسياً عن طاعة دولة الخلافة الجديدة ولم تتخلّف كلها عن إيمانها برسالة الإسلام.

هذه الحروب، وفقاً لـ عبدالرازق، كانت من الأسباب التي حملت بعض المسلمين على الاعتقاد بأن أبا بكر ذو صفة دينية على منوال ما كان عليه النبي.

إضافة إلى ذلك، كان لقب "خليفة رسول الله" سبباً آخر "من أسباب الخطأ الذي تسرب إلى عامة المسلمين، فخيّل لهم أن الخلافة مركز ديني"، (عبدالرازق، ص181).

ثم جرت العادة بين الملوك والسلاطين المسلمين، طوال التاريخ الإسلامي، على انتحال هذه الصفة الدينية تحت مسمى الخلافة، خلافة رسول الله، أو خلافة الله، كوسيلة لتقوية سلطانهم وإغلاظ العقاب لمن يخرج عليهم باعتباره خارجا على الدين. 

فألُحقت الخلافة والإمامة تدريجياً بالمباحث الدينية، وصارت جزءاً من عقائد التوحيد، بينما الإسلام في الحقيقة منها براء. (ص181).

*من صفحة الكاتب على الفيسبوك