اليوم وأنا عائد من عملي في مدينة الشعب صادف أن أهداني أحد الأصدقاء كمية ممتازة من القات كثيرة على احتياجي، وأثناء مروري بالنقطة الأمنية بالحسوة قمت بإعطاء أحد جنود النقطة كمية منه عرفانا وامتنانا بما يقدمونه من واجب حفظ الأمن خاصة وأنا كل يوم أمر بهم ويبهجني تعاملهم الراقي مع كل السيارات دون تمييز، لكن المفاجأه رفضه أخذ القات وقوله لي: لولا كبر سنك لكنت أوقفتك الآن واتخذت الإجراءات القانونية، حاولت أن أشرح له أن القات فائض عن حاجتي وأنه رمز امتنان فقط وكان رده مؤدٓبًا ومؤدِباّ بنفس الوقت حين قال: ونحن أيضا لدينا ما يزيد عن حاجتنا وقد تكفلت الدولة بذلك وامتنانك لنا يكون بالتزام النظام والقانون لتسهل لنا مهامنا الموكلة إلينا.
ورغم معرفتي بالحالة المادية لهؤلاء الأبطال وتأخر مرتباتهم لأشهر إلا أني اكتفيت برده وسلكت طريقي وأنا استذكر أول سنة نزلت فيها إلى عدن وهي سنة إعلان الوحدة الموءودة.
ففي العام 1990م نزلت مع مجموعة من أصدقائي إلى الحبيبة عدن وكان سائق السيارة البيجو احد المحبين لعدن ونظامها وأثناء الطريق وهو يوصف ويمدح النظام والقانون في عدن تم السخرية منه من بعض الأصدقاء فإذا به يراهن على صدقه وكان اسمه -رحمة الله عليه- ناجي الخباني، فراهن الآخر أيضا على أن ما يدعيه غير صحيح ومضينا في طريقنا حتى وصلنا عدن مع قرب المغرب، تعشينا بالقرب من فرزة باصات التاتا حينها بجولة القاهرة وتوجهنا باتجاه عدن وفي جولة الغزل والنسيج كان جندي المرور واقفا في مكانه يسهل حركة مرور المركبات وكأنه يداعب جدول ماء ينساب بسهولة من فعل يديه فوقف سائق السيارة قبل الجولة وقال نجرب بجندي المرور، عندها فرح صديقي الآخر وقال هذا المطلوب وكان في باله ما كان يمارس في تعز وإب وذمار من جنود المرور في تلك الفترة، فتقدم السائق بالسيارة حتى وقف بجانب جندي المرور وأخذ كمية كبيرة من القات وأعطاها له، عندها انفعل جندي المرور وقال بنبرة حازمة: أنت ترشينا ليش، تلعثم السائق وقال له أنا لا أرشيك، أنا أقدم لك هدية من البلاد، وكان رد الجندي أيضا حازما، أنا في عملي لا أتعاطى القات أولا وثانيا لا أتقبل الهدايا أثناء تأدية واجبي ولولا أنكم ضيوف كانت المخالفة سترافقكم الآن.
في خضم هذا الحديث كنت مزهوا ومفتخرا بما رأيناه وتعويضا عن صمتي طوال طريق الرحلة انهمرت الكلمات مني مدحا وعشقا لعدن عشيقة البخور والقانون، الآمنة بناسها ومؤسساتها.
اليوم أيضا تذكرت الحملات العدائية والدعائية ضد الحزام الأمني خلال الأربع السنوات الماضية. ولا أنكر أن هناك مخالفات كانت تحصل من أفراد لا زالوا قريبي عهد بالأمن والعسكرية إلا أن هذه الأخطاء قد تم تلافيها خلال السنتين الماضيتين وذلك بجهود القادة وإعادة التأهيل للجنود بما يتواكب بالمرحلة والمهام الملقاة على عاتقهم رغم التهديد المتواصل لهم من أدوات الإرهاب وأعوانهم والذين يرون في الحزام الأمني أولى القلاع التي تمنع عنهم ممارسة هوايتهم في القتل والترويع لأهالي عدن ووافديها. وهذا مجهود جبار لا يقوم به إلا العظماء محبيو أوطانهم والشعب الذي ينتمون إليه.
في حين نجد أننا ومنذ ست سنوات نقدم الانتقادات والملاحظات على الخروقات التي تقوم بها مليشيا الإخوان الإرهابية في تعز والتي ترتقي إلى درجة الجريمة المنظمة في حق المواطنين وكلما انتقدنا هذه المليشيا ابتكرت طرقا أكثر إيلاما وجرما في حق المواطن التعزي وكأنهم يتلذذون بهذا العمل الشائن ويعاندون أقلامنا فكلما انتقدنا زادوا في الإجرام ويستحضرني قول الشاعر:
تهوى خلافي كما حثت براكبها
يوما قلوصا فلما حثها بركت
وما دامت عقلية الحاكم بالأمر الواقع هي عقلية ناقة فتستمر الجريمة ما استمر إهدار القانون.
فرق كبير بين الدولة واللا دولة وبين مؤسسة تتقبل النقد وتسعى لتلافيه وبين جماعة ترى الألوهية فيما تعمل وترى أن الانتقاد لها هو كفر بواح ويجب أن يقابل بالكثير من القمع والانفلات وممارسة الجريمة بسلاح الدولة ومؤسساتها..
شكرا للحزام الأمني أفرادا وقيادة.