فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

عن بي بي سي المحايدة الموضوعية المستقلة

Sunday 09 October 2022 الساعة 08:04 am

ذات يوم قديم دار نقاش بيننا في مجلس عام حول حدث يمني، فأعيانا أحدهم بعناده.. في الأخير دعم حجته الهزيلة بالقول: هذا هو كلام بي بي سي وليس كلامي، فما باقي بعد بي بي سي؟ وبذلك حسم النقاش لصالحه، على الرغم من أنه كان مثلنا يدرك أن بي بي سي لم تذكر شيئاً عن الحدث.

يثق معظم اليمنيين باسم بي بي سي، ثقتهم بجودة المصنوعات البريطانية.. لا أصدق من أخبار وتقارير بي بي سي.. قد قالت بي بي سي! وأيام زمان كان الكاتب واحداً من هؤلاء، يتابع نشرات الأخبار، والسياسة بين السائل والمجيب، وبرامج الثقافة والمنوعات، وكان معجباً بأصوات مديحة المدفعي، وسلوى جراح، جميل عازر، ماجد سرحان، حسام شبلاق، وأيوب صديق.. لقد رحل هؤلاء ولم تكتسب بي بي سي مثيلاً لأي واحد منهم.

نعم، عرفت بي بي سي بقدرة على الوصول إلى مصادر معلومات مهمة، مثل المخابرات والملفات السرية، وسعة التغطية الخبرية لانتشار مراسليها في مختلف بقاع الأرض، ومع ذلك تكرر الأخبار في نشرات اليوم واليوم التالي أحياناً، ربما لأن سياستها تعنى بالأخبار المهمة.

نزعم، أيضاً، أنها تدقق في التقارير والصور والفيديوهات التي تنشرها بغية المحافظة على ثقة الجمهور، وهذا لا ينفي وجود أغلاط، وأساليب تضليل واختيار دلالة لغوية معينة لكلمة أو جملة لكي تناسب الهدف المقصود.

هذا من جهة، ومن جهة ثانية إن مبادئ وقيم الحياد والاستقلالية والموضوعية التي تنسب إلى بي بي سي، تعتبر نسبية إن لم نقل مضللة، إذ كيف يقال هذا في إذاعة تمول من القطاع العام المرتبط بالحكومة؟ وسياستها الإعلامية تتبع السياسة الخارجية البريطانية وتدافع عنها.. وللتذكير، نشير هنا أن إذاعة بي بي سي الناطقة بالعربية أسست بعد أن لاحظت حكومة التاج الدور الفعال الذي كانت تؤديه إذاعة باري الإيطالية الناطقة بالعربية التي أمر الزعيم الإيطالي موسليني عام 1934 بإنشائها، لتتولى مهاما تخدم السياسة الإيطالية، وكشف عناصر الارتباط بين الحركة الصهيونية وبريطانيا، ومهاجمة سياسة هذه الأخيرة في البلاد العربية، وخاصة في فلسطين.

هذه التبعية لا ينكرها كبار المسؤولين في هيئة بي بي سي، ومنهم مديرها العام طوني هول، فقد ذكر -عند إعلان استقالته في يناير 2020- أن قوة خدمات الأخبار العالمية في القناة هي التي دفعت المملكة المتحدة أن تكون قوة مؤثرة عبر العالم!

الآن، قالوا إن هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) سوف توقف بث برامجها الإذاعية باللغة العربية الذي بدأ عام 1938، إلى جانب توقف برامج بعشر لغات أخرى، لتتحول إلى بث إلكتروني يقدم إلى متلقين ناطقين بأربعين لغة.

هذه المرة تم التركيز على القارة الإفريقية بعد أن كان معظمه في السابق يستهدف متلقين في قارة آسيا، وفي بعض دول أوروبا الشرقية.. هذه الأهداف المقصودة، لم تحل دون إعجاب ملايين المستمعين العرب، وإعجاب اليمنيين بالإذاعة -كما ذكرنا قبل- مسايرة للقول الشائع إنها محايدة، موضوعية، مستقلة، وتتمتع أخبارها وبرامجها السياسية والثقافية بالمصداقية.

يتم الخضوع لهذا النوع من التنويم الثقافي، بينما المعروف أن بي بي سي بدأت برامجها في العام 1928، أما في العام 1938 فكانت البداية مع العالم العربي ودول شرق أوروبا والدول الآسيوية ذات الأهمية بالنسبة للمعسكر الرأسمالي، والتي كان يخشى من تأثير المعسكر الاشتراكي فيها، أو مناصرتها لألمانيا.

والحري بالذكر أيضاً أنه بعد أقل من عام على بي بي سي العربية، أمر الزعيم الألماني أدلف هتلر بإنشاء قناة إذاعية في إذاعة صوت ألمانيا ببرلين، موجهة للعرب، كان ذلك في العام 1939، أي في غمرة الحرب العظمى الثانية. ففي يوم 7 أبريل تلقى بعض من العرب عبارة: هنا برلين، حيا العرب، بصوت المذيع العراقي يونس بحري، مفتتح بث القناة الناطقة بالعربية.. وقيل إن هتلر أمر بذلك بعد أن زاره رئيس وزراء العراق رشيد عالي الكيلاني، ومفتي القدس الشيخ أمين الحسيني، اللذين اقترحا عليه منبراً يعنى ببث أخبار الثائرين العرب وحثهم على العمل من أجل طرد المحتلين الفرنسيين والبريطانيين من الشام والعراق وجنوب اليمن، غير أنا نشك في تأثير الكيلاني والحسيني، لأن هتلر لم يكن في حاجة لرأيهما، وإنما أنشأ الإذاعة لخدمة مصالح ألمانيا في مواجهة بريطانيا وبقية الدول الحليفة في الحرب.