د. صادق القاضي
مجلس القيادة والإخوان.. أيهما سيخصي الآخر؟!
منذ عام 2011. والإخوان يقودون اليمن بالطريقة اللائقة بهم: من مشكلة إلى مشكلة، ومن أزمة إلى أزمة، ومن نكبة إلى نكبة، ومن هزيمة إلى هزيمة.. وكغربان شؤم تسلّموا في غفلةٍ من الدهر قيادة المرحلة. ذبحوا اليمن والقضية اليمنية من الوريد إلى الوريد، ومروا بها "على جيفِ الكلابِ".
وهذا طبيعي. في أي بلد تسلم زمامها للإخوان. اليمن لا تختلف عن غيرها في هذه النقطة، الفرق فقط أن بعض البلدان فيها جماهير ونخب أدركت المشكلة، وتحركت وقامت بحسمها، كمصر وتونس، بينما بعض البلدان، لم ترزق بمثل تلك النخب، وما زالت تتردى في الهاوية، كليبيا واليمن.
بل إن اليمن هي الأكثر فشلا وتضررا من أي دولة أخرى من هذه الظاهرة، منذ بداية تسونامي ما يسمى بالربيع العربي، بسبب نخبها السياسية التي سلمت كل شيء للإخوان، فضيع هؤلاء الثورة ونخروا الدولة وفككوا الجيش ومزقوا الوحدة الوطنية، لصالح الجماعة الحوثية التي استحوذت بسهولة على كل شيء وشردت الجميع إلى المنافي.
وفي المنافي. سلمت هذه النخب السياسية الشريدة التي هي الأسوأ في التاريخ، سلمت مجدداً. كل شيء للإخوان، فأخذ هؤلاء كل شيء على سبيل المقاولة وغنائم الحرب، وفي مقابل المقاومة الحقيقة التي حررت الأرض، جعل الإخوان من "الشرعية" أداة لقمع غيرهم، والاستحواذ على المصالح، وإقامة جيوش وإمارات خاصة، ومزقوا الجبهة الداعمة للشرعية في الداخل، واستعدوا حلفاءها في الخارج.
وهكذا طوال ثماني سنوات حصيلتها الضياع: ضيعوا القضية اليمنية، وضيعوا أنفسهم، وضيعوا غيرهم.. واليوم يقومون بابتزاز مجلس القيادة الرئاسي وتهديده بأن عليه أن يخضع لشروطهم بشأن إمارتهم الخاصة في شبوة، وإلا فسيضطرون -حسب بيانهم الأخير- "إلى إعادة النظر في مشاركتهم في كافة المجالات".
إن أفضل ما قد يقوم به الإخوان في تاريخهم في اليمن على الإطلاق هو "إعادة النظر في مشاركتهم في كافة المجالات"، أي تجميد أنشطة حزبهم.. لكن بما أن استقالة أصغر مسئول منهم أهون عليهم من استقالة "الشرعية" كلها وضياع اليمن برمتها، فلن يفوا بهذا التهديد. مع أن هذا التجميد في صالحهم وفي صالح غيرهم.
ولأن تجميد الإخوان كان وبات ضرورة مصيرية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في اليمن، بجانب إنقاذ "الشرعية" المتضررة وجوديا من وجودهم، فقد تمت إقالة إدارة "الرئيس هادي"، التي قام الإخوان مبكرا بخصيها، لكن ذلك الإجراء لا يكفي، والكرة الآن في ملعب مجلس القيادة الرئاسي الذي تضعه المسئولية التاريخية، بين خيارين:
إمّا أن يضحي بالإخوان لصالح الشرعية ولصالح اليمن، أو العكس. إمّا أن يقوم بواجبه التاريخي على غرار ما قامت به القيادات العظيمة في مصر وتونس، أو يستمر في جعل الإخوان يقودونه ويقودون اليمن. بالطريقة اللائقة بهم: من مشكلة إلى مشكلة، ومن أزمة إلى أزمة، ومن هزيمة إلى هزيمة..