د. صادق القاضي

د. صادق القاضي

تابعنى على

"إلى صديقي (ع. ك).. شهيد ثورة فبراير": الغضب وحده لا يكفي.!

Tuesday 08 February 2022 الساعة 08:00 pm

سلامٌ عليك عند ربٍ رحيم.. كان قلبك أبيض، ونيتك حسنة. فقط أريد أن أخبرك بعد كل هذه السنوات المعجونة بالدماء والدموع والرماد.. أنني كنت أتفهمك جيدا، حياتك كانت تاريخاً للمعاناة، أنت ربيب البؤس، وسليل الحرمان، وتبحث عن حقك بفرصة ممكنة لحياة كريمة تليق بالإنسان.!

لكن.. لأنك لم تكن تمتلك شيئا سوى الوجع، دخلت الثورة بالكثير من الغضب، والقليل من العقل، واندفعتَ ككتلة هائلة من الألم، وموجة عارمة من السخط.. وانفجرْتَ دفعةً واحدة، بكل احتقانات القهر ومكبوتات الحنين..!

لا لوم عليك.. هذه هي مواصفات الثائر عادةً. 

لكي تكون ثوريا عليك أن تجعل رأسك كله حنجرة، وتعبئ جسدك بالصراخ، وتنساق في موجات السعار الجماعي المحموم، وكحيوان سيرك مطيع عليك أن تتخلى عن إرادتك وذاتك، وتصدق كل شيء، وتمتثل لكل أمر، وتتحرك على إيقاع الحواة والأراجوزات والمدربين..!

 أليس هذا ما كنت تفعله بالضبط؟!، أثارت حركاتك تصفيق الجمهور، لكنك لم تستلم شيئا من عائدات التذاكر، وعندما سقطت في حركة خطرة، أُلقيَ بك بعيدا لتنهش روحك الوحدة، وجسدك الغرغرينا.! 

في الواقع أنت لم تكن تثور بل تثأر، لم تكن تتمرد بل تدمر، لم تكن تتأمل بل تتألم، وتهيأ لك على وهج حماسك الثوري أنك كسرت حاجز الخوف، فيما لم تكسر سوى الحواجز الهشة بين النبل والسذاجة، والثقة والغفلة.. تلك الثورة التي أشعلتها بوجعك الكبير، خمدت قبل نظراتك الأخيرة على وطن صار أبعد منالا، وبلد أصبح أرخبيلا من الدويلات المهترئة.

قلت لي: إنه الربيع، ثورة الفراشات تنتج فرحا، وثورة الزهور تنتج عطرا، وثورة العصافير تجلب المطر.. لكنها لم تكن ثورة الشوق، وغاب عن نواياك الحسنة أن ثورة المشايخ تنتج قبيلة، وثورة العسكر تنتج معتقلا، وثورة الكهنة تنتج محكمة تفتيش..! 

قلت لك مرارا: إن الغابة لا تثور، ولكنها تضطر أحيانا إلى إعادة توزيع مراكز القوى المفترسة، لكنك أصررت بشكل عجيب على أن المعركة تجري بين حق وباطل وملائكة وشياطين، وأن بعض الشياطين أصبحوا فجأة ملائكة، وانضموا إليك، فيما ضموك أو انضممت إليهم، بعيدا عن الثورة، قريبا من الثأر، والحسابات القديمة للشياطين..! 

كانت حساباتك العامة تختلف عن حساباتهم الخاصة، أولئك الذين خرجت تهتف من أجل إسقاطهم بحماس، كانت الثورة بالنسبة لك فرصة العمر المهدور لاسترداد إنسانيك المستلبة، والثأر لكرامتك وأحلامك الموؤودة في العقود العجاف، من الجلادين والطغاة والنخاسين.. الذين كانت الثورة بالنسبة لهم فرصة ذهبية لترميم تجاعيدهم المهترئة، وتصفير عداداتهم المثقلة بالخطايا في حقك، وحق هذا الوطن الذي لم يعد يليق بغير الشفقة.

أنت لم تكن تؤدي دورا نبيلا، ولا في مهمة مقدسة، كما كنت تتوهم ببراءة، ولأن الغضب وحده لا يصنع الثورة، ها أنت الآن ضحية عبثية، لطلقة أصابتك من الخلف، وربما تشعر بحجم فاجعتك في الثورة التي نبذتك كوجه "يهوذا" أنت الذي انخرطت فيها بقلب "يسوع"..!