لم يكتف الموت من أعداد أبناء اليمن الذين طحنتهم الحرب بأيدي المليشيا الكهنوتية الآتية من كهوف الرجعية والظلام، بل أصبح الموت كجحيم الآخرة (هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ).
هذا هو الوضع المأساوي باليمن، فمن لم تمته آلة الحرب الهمجية بأيدي مليشيات الحوثي قتله الجوع وهو يهرول بحثا عن رغيف عيش له ولأطفاله.
إلا أن هذا القتل الممنهج للمواطن اليمني نرى اليد الطولى فيه هي لشرعية فاسدة تتعمد بل وتستلذ في انتهاجه كطريقة فضلى لمزيد من الموت والإذلال مستخدمة آلة الاقتصاد الملامس لحياة المواطن اليومية بالصميم وكأنها تطبق المثل الشعبي (جوّع كلبك يتبعك) والشريك الأساسي لتنفيذ جريمة قتل المواطن هم أولئك التجار الذين انتزعت منهم الإنسانية وتوفيت ضمائرهم في حين غفلة لتمتلئ كروشهم بأوجاع الفقراء وأنين أطفالهم، مستغلين وجود حكومة ورئيس ينخرهم الفساد حتى أخمص أقدامهم، بينما ينظرون لمن ولوا أمرهم يموتون وكأنهم ليسوا من يتحملون مسؤولية رعايتهم والحفاظ على حياتهم ومقدراتهم وكرامتهم.
فأي حكومة هذه ترى قاتلي الشعب بعين المحبة لهذا الموت، بل وتستمر في دعمهم وتسهيل قتلهم للشعب بدم بارد وتعذيب ممنهج.
لا تسأل كيف ذلك عزيزي..
فللعلم أن غالبية التجار إن لم نقل كلهم، يستذئبون في سحق الاقتصاد وخاصة في المناطق المحررة كمصاصي دماء وبكل وحشية وهو ما يستوجب معه تصنيفهم كمجرمي حرب لقيامهم بالإبادة الجماعية لفقراء عزل من الاقتصاد والقرار.
ولأكون أكثر وضوحا فإن ثلث المنتجات المستوردة وبالدولار المدعم فقط يتم بيعها في المناطق المحررة لكن بسعر الدولار في السوق السوداء وهو ما يعني أن هذا الثلث فقط يغطي قطعيا القيمة الشرائية الحقيقية لمجمل المادة المستوردة، بل وقد تزيد بينما ثلثا المواد المستوردة تذهب إلى مناطق النفوذ الحوثي لتدعمهم بالجمارك ولتكون ربحا خالصا مخلصا لهؤلاء التجار، يكدس في خزائنهم وكأنهم يخزنون جثث موتى الجوع في ثلاجات أطماعهم ناهيك أن قيمة هذه البضائع التي تدخل إلى المناطق غير المحررة لا تعود منها أي أموال إلى المناطق المحررة.
وهذا منطقيا وسيلة يستخدمها هؤلاء التجار لاستقرار العملة في مناطق النفوذ الحوثي مما يعني إطالة أمد الحرب وتشويه متعمد للحاكمين للمناطق المحررة ومعاناة أكبر للمواطن الخاضع لها.
لن تجدي الودائع ولا الهبات في تعافي العملة والاقتصاد ما لم يكن هناك جهد حقيقي لمحاربة الفساد المستشري في مفاصل الدولة والبنك المركزي، وما لم يكن هناك آلية حقيقية لردع هؤلاء التجار من استمرارية قتل الشعب بفجور تجارتهم ونهمهم للتشبع من دمائنا بحيث يتم بطريقة ما إلزامهم بعدد من النقاط منها:
1- أن يتم إلزامهم بتوفير الدولار من المناطق الخاضعة للحوثي بما يوازي المواد الداخلة إلى نطاق نفوذهم وتحت رقابة مشددة.
وهذا يعني بالطبع ولو جزئيا عدم نفاد الاحتياط النقدي من العملة الأجنبية في البنك المركزي.
2- الزامهم ببيع المواد المدعومة بالدولار الحكومي في المناطق المحررة قطعيا وبأسعار تتناسب مع بوليصة الاستيراد مع وضع هامش للربح يعد تجاوزه جريمة يقتضى بموجبها مصادرة المنتج وبيعه عن طريق مؤسسات الدولة، كما يتم وبحزم الرقابة على عدم تسرب هذه المنتجات إلى مناطق الحوثي ليتوازن معيارا العرض والطلب في المناطق المحررة وبشكل دائم.
من قراءتي البسيطة هذه أرى أنها ربما تحقق نوعا ما من استقرار للعملة وللارتفاع الجنوني للمواد الاستهلاكية التي أصبحت حلما بعيد المنال للفقراء، بل لكل المواطنين اليمنيين في المناطق المحررة، لأننا وبلا فخر أصبحنا كلنا الأكثر فقرا في وطن أكثر فسادا.