عقيلي والعود.. نحّاتان يبدعان في تحويل الأصداف ونفايات الأخشاب والكراتين إلى تحف فنية

المخا تهامة - Friday 26 April 2024 الساعة 07:49 am
الحديدة، نيوزيمن، وليد محمد:

عندما تقذف بها أمواج البحر في مواسم معينة يمر عليها الكثيرون دون اهتمام عدا الأطفال الذي يحبون اللعب بها، لكن ثمة من ينظر إليها بذائقة جمالية فريدة تسنح لموهبته الساحرة أن تشكّل منها ما يبهر الآخرين، فتصبح وسيلة يعتمد عليها وأسرته في التغلب على الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

من أسبوع إلى آخر، كان يتردد الشاب المخاوي عبدالقادر عقيلي على شاطئ البحر للبحث عن الأصداف وجمع أكبر عدد ممكن منها، ثم اختيار أفضلها بعد تمحيصها في عملية اعتاد عليها منذ سنوات.

الشاب "عبدالقادر سعيد احمد عقيلي" البالغ من العمر (28 عاما)، احد أبناء منطقة يختل التابعة لعزلة الزهاري شمال مدينة المخا الساحلية التابعة لمحافظة تعز (جنوب غربي اليمن)، عمل صيادا منذ نعومة أظافره كسائر أبناء منطقته الساحلية بغرض مساعدة والده على توفير قوت أسرته الضروري، لكنه فنان موهوب حوّل هوايته إلى مهنة وجعل من صناعة التحف الفنية البحرية يدويا شاهدا ومثالا حيا على جمال واحساس الإنسان اليمني.

يتفنن عبدالقادر بصنع المزهريات الصدفية البديعة والتحف، كواحدة من اجمل انواع الزينة التقليدية ذات الطابع التراثي الأصيل التي تعلّق في المنازل لتضفي عليه بهاء وجمالا.

هذه الحرفة التراثية القديمة، التي تعد جزءاً من الثقافة اليمنية منذ آلاف السنين، لا يستطع إتقانها إلا مبدع ومهتم، و"عبدالقادر" أحدهم، حيث يقوم في غرفته المتواضعة بمنزله بفرز أصداف البحر والقواقع والشعب المرجانية بجميع الاشكال والاحجام والألوان، ثم تركيبها مع بعض حُلي قام بشرائها من السوق بلمسات انامله السحرية، مشكلا بذلك تحفا فنية رائعة غاية في الجمال والاتقان.

تستغرق التحفة الواحدة ساعة أو ساعتين، وبعضها أياما حسب اهميتها وحجمها، حسبما يقول عبدالقادر لـ(نيوزيمن). 

وبعد العمل الشاق والمتعب الذي يحتاج إلى تركيز دقيق وعال تصبح التحف جاهزة للعرض على بعض الزائرين من الأسر التي تقصد منطقة "يختل" للتنزه والترويح عن النفس، عسى أن تنال اعجابهم وشراءها منه، لينفق المبيعات في مساعدة أسرته على البقاء حتى تتحسن أوضاعهم الاقتصادية.

يشكو عبدالقادر من صعوبات يواجهها بسبب ارتفاع المواد والادوات التي يحتاجها في هذه المهنة، متمنيا ان يجد دعما لانشاء ورشة متكاملة يُدرّب فيها ابناء منطقته وعبرها يكون قد أسهم في الحفاظ على هذه الحرفة التقليدية من الاندثار.

وفي موهبة مماثلة، يبدع الطفل الصغير "مهند العود" في تحويل هوس الطفولة وعشقه للبحر بصناعة مجسمات بحرية فنية دون ان يعلمه أحد، في موهبة حباها الله تعالى منذ أن أشرق فجر صباه في منزلهم الواقع بمنطقة قطابا بمدينة الخوخة الساحلية العاصمة المؤقتة لمحافظة الحديدة. 

مهند محمد يحيى العود، طفل موهوب يبلغ من العمر (15 عاما) ليس لديه امكانات المهندسين او آلات ومعدات المصانع، ورغم ذلك بدأ كفنان محترف معتمدا على ما تنسجه أناملة الذهبية في صناعة مجسمات غاية في الابداع والدهشة، تمثّل سفنا وقوارب وغيرها رُكِّبت ونُسِّقت باتقان وتفان لتعبر عن ارتباط شاعري وثيق وجميل بحياة الصيادين وعشق البحر الأحمر.

نجح "مهند" بجهد ذاتي، في تطويع مخلفات الاخشاب والكراتين الفارغة، مستعينا بادوات بسيطة قام بتوفيرها من السوق المحلي كالصمغ والمشرط والمقص والسكين. وبعيدا عن ضجيج التكنولوجيا يقوم بصناعة مجسّمات فنية ساحرة مختلفة الاحجام، تذهل الناظرين وتحاكي الواقع باحترافية عالية.

رغم قلة حيلة والده وعجزه عن توفير كافة المواد اللازمة ليطور من قدرات طفله الموهوب الا ان "مهند" يطمح إلى تنمية موهبته وابراز جمال أعماله للعلن من جانب، ومن جانب آخر تصبح للحفاظ عليها كحرفة وجزء أصيل من هويته وتراث ابناء الساحل الغربي اليمني.

يأمل والد "مهند" ان يتلقى الدعم والتشجيع من الجهات الرسمية الداعمة للموهوبين والمبدعين في الحرف اليدوية التقليدية حتى من رجال المال والأعمال ورعايته والاخذ بيديه الى طريق النجاح والابداع.

ومؤخرا، ولأول مرّة، شارك المبدعان عقيلي والعود بعرض المجسمات والتحف الفنية، في الأمسية الرمضانية لصيادي الساحل الغربي التي نظمها المكتب السياسي للمقاومة الوطنية أواخر رمضان الماضي بمدينة المخا، غربي تعز، وتم تكريمهما خلالها بمبالغ مالية.

ويطمح المبدعان ووالداهما إلى مزيد من التشجيع والدعم في توفير ما يساعد الفنانين على تنمية قدراتهما وتقديم منتجاتهما بطريقة أكثر احترافية ويسر، والحفاظ على هذه الحرفة التقليدية من الاندثار.