تحليل: تهجير سكان رأس عيسى مخطط حوثي منذ بداية الحرب

تقارير - Monday 01 April 2024 الساعة 04:35 pm
المخا، نيوزيمن، خاص:

مع تصاعد التحذيرات من بدء مليشيا الحوثي إجراءات ميدانية لتهجير سكان منطقة رأس عيسى بمحافظة الحديدة، أصبح المخطط الحوثي أكثر وضوحاً، حيث وضعت ذراع إيران عينها منذ بداية الحرب على محافظة الحديدة وموانئها الثلاثة ضمن مخطط متكامل للاستحواذ على الثروات النفطية للبلاد.

إقدام المليشيا الحوثية على بدء إجراءات حصر وتسجيل سكان القرى الثلاث في منطقة رأس عيسى ليس سوى رأس الجبل الجليدي من مخططها الذي يشمل السيطرة على محافظة مأرب التي يربط بينها وبين ميناء رأس عيسى خط أنابيب بطول يقارب 440 كم، إضافة إلى محافظة الجوف ومحافظة صنعاء، وهو ما تمكنت من تحقيقه إما كليا أو جزئيا. ويشمل هذا المخطط أيضا إنشاء منشآت نفطية واستغلال البنية التحتية التي أنشأتها الدولة منذ الثمانينات بمساعدة إيرانية بعيدة عن لفت الأنظار، فيما تعزز حماية ما تنفذه من مراحل المخطط بتشكيلات عسكرية تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني.

>> الحديدة في قبضة الحرس الثوري.. ميناء رأس عيسى قاعدة عسكرية ومنطقة اقتصادية إيرانية

وبالتزامن مع تحذير وكيل أول محافظة الحديدة وليد القديمي من بدء إجراءات المليشيا لتهجير سكان القرى الثلاث في رأس عيسى (دير الزحيفي ودير الولي وقرية ضبرة)، عقد المعين في منصب وزير النفط بالحكومة التابعة للمليشيا الحوثية بصنعاء، اجتماعا، السبت، تحت مسمى مناقشة سير تنفيذ المشاريع المتعلقة "بالرؤية الوطنية" التي أصدرتها سلطات المليشيا قبل سنوات لتنفيذ مخططات التهام مقدرات الشعب اليمني من موارد طبيعية.

وذكر الإعلام الحوثي، أن هذا الاجتماع ناقش "توسيع الاستثمارات واستغلال الثروات المعدنية والنفطية"، وهو ما تعمل عليه المليشيا الحوثية بصورة متسارعة منذ بدء سريان هدنة أبريل 2022، وتسارع أكثر بعد استهدافها لميناءي تصدير النفط والغاز في حضرموت وشبوة والتهديد بمعاودة قصف المنشآت النفطية إذا استأنفت الحكومة الشرعية التصدير.

بعد أن اطمأنت المليشيا الحوثية إلى نجاح خطوتها التصعيدية في الالتفاف على اتفاق ستوكهولم ثم منع الحكومة من تصدير النفط من المحافظات المحررة، كثفت تركيزها على تهيئة موانئ الحديدة لأغراضها العسكرية والاستحواذية، وخاصة ميناء رأس عيسى الذي يعتبر أول ميناء لتصدير النفط في اليمن. 

ومنذ بداية العام 2023، ركزت المليشيا جهودها على تهيئة ميناء رأس عيسى ليكون منفذا نفطيا لها بمواصفات إيرانية، وفي يناير من نفس العام قامت مؤسسة موانئ البحر الأحمر المسيطر عليها من قبل المليشيا بإجراء صيانة للينش القاطر "رأس عيسى" بميناء الصليف، وتمت صيانته بالمخالفة للمواصفات الفنية والعلمية بذريعة "العدوان والحصار". وفي شهر يوليو استقبلت سلطات المليشيا أول ناقلة غاز منزلي في ميناء رأس عيسى، وهي الناقلة "انيفيتور"، بحمولة 14 ألفاً و825 طناً مترياً، وذلك بعد أن استحدثت مرسى جديداً للغاز خارج المواصفات أيضا.

في تلك الفترة كانت المليشيا تجني أولى ثمار مخططها الذي شمل أيضا منع تجار الاستيراد من استقبال بضائعهم في ميناء عدن ومنع دخول الغاز المحلي إلى مناطق سيطرتها واستبداله بالغاز الإيراني. وفي نفس الشهر افتتح المعين بمنصب وزير النفط بحكومة المليشيا أحمد دارس، ما قيل حينها إنه "مشروع صيانة وإعادة تأهيل ميناء رأس عيسى النفطي".

وبحسب وكالة "سبأ"-النسخة المستحوذ عليها من قبل المليشيا الحوثية- فإن ذلك المشروع يتضمن "صيانة وإعادة تأهيل الخزانات وشبكة الأنابيب، ومنصات التحميل والمضخات، وتجهيز مكاتب إدارية مؤقتة، وتركيب أجهزة كمبيوترات مع ملحقاتها، وتشغيل النظام الآلي، وكاميرات مراقبة. كما يتضمن ردم الطريق المؤدية إلى الميناء بطول سبعة كيلومترات، وإنشاء بوابة تفتيش داخلية للميناء، وكذا إنشاء كتل خرسانية لربط ثلاث سفن، وتجهيز وتشغيل ثلاثة مولدات كهربائية بقدرة إجمالية 800 KVA وتوفير معدات ووسائل نقل للموظفين".

وأكد وكيل أول محافظة الحديدة القديمي، في تحذيره من تهجير سكان منطقة رأس عيسى، أن المليشيا قامت "بشق طريق مختصر إلى رأس عيسى من منطقة المملاح على الساحل بدلاً من الطريق الرئيسي كما هو موضح، ليسهل نقل المشتقات النفطية وما يتم تهريبه من هذا الميناء، كاشفاً عن سعي إيران لتحويل رأس عيسى إلى منطقة اقتصادية نفطية تعود عليهم بالمنافع عبر أذنابهم مليشيا الإرهاب الحوثي.

المشروع الحوثي في ميناء رأس عيسى شمل، أيضا، إنشاء ستة خزانات مشتقات نفطية استراتيجية بسعة 75 ألفاً و600 متر مكعب؛ لزيادة السعة التخزينية في الميناء، بنسبة 140 بالمائة، وتنفيذ شبكة أنابيب نقل المواد، ومنظومة الأمن والسلامة، إضافة إلى تجهيز البنية التحتية لاستقبال سفن الوقود (بنزين، مازوت وغاز) إلى جانب الديزل وإنشاء أربعة مبانٍ خدمية، منها مبنى لسكن الموظفين ومطعم ومسجد ومبنى للمولدات الكهربائية، بالإضافة إلى سفلتة الطريق في حرم الميناء بطول أربعة كيلومترات. وفيما ربط الوزير الحوثي دارس هذا المشروع بما تسمى "الرؤية الوطنية" للمليشيا، حاول ربط جماعته بجهود تفريغ خزان صافر العائم الذي كانت فرق الأمم المتحدة تعمل على نقل النفط منه إلى الناقلة البديلة نوتيكا.

وفي أغسطس فتحت وزارة النفط الحوثية المجال لتجار ومستوردي الغاز والمشتقات النفطية توريد مادة الغاز البترولي المسال، ووجهت التجار التقدم بعروض مسبقة لاستيراد الغاز من إيران، موضحة أنها ستقوم بإدراج تلك العروض ضمن خطة الشركة التموينية للعام 2023، رغم أن التوقيت بعد منتصف العام.

وتواصلت تحركات حكومة المليشيا الحوثية في وضع دراسات لمشاريع جديدة في ميناء رأس عيسى وموانئ الحديدة، وتمريرها عبر أعضاء مجلس النواب في مناطق سيطرتها لإضفاء الطابع القانوني عليها. وفي حدث لافت أواخر العام 2023، أعلنت سلطات المليشيا في 30 ديسمبر عن وفاة المعين من قبلها مدير أمن ميناء رأس عيسى، عبدالفتاح العميسي، في حادث مروري بدون أي تفاصيل أخرى، وهو ما يثير الشكوك حول تصفيته ضمن صراع الأجنحة داخل الصفوف القيادية للمليشيا. ففي نفس اليوم كان المعين بمنصب وزير النفط أحمد دارس يزور ميناء رأس عيسى برفقة نائبه ياسر الواحدي، في زيارة وصفها الإعلام الحوثي أنها لتفقد أعمال توفير مخزون استراتيجي من المشتقات النفطية "البنزين والديزل والمازوت"، بحسب توصيات مجلس النواب التابع للجماعة، وأنهم يعملون على إنشاء خزانات تستوعب من 200 إلى 400 ألف طن من المشتقات النفطية.

وفي يناير من العام الجاري عاد الواحدي إلى ميناء رأس عيسى لتفقد العمل على مشاريع توسعة الخزانات، وقال إن هذا الميناء أسهم في "توفير كميات كبيرة من المشتقات النفطية ومخزونات استراتيجية من النفط والغاز". وفي 20 فبراير الماضي، أقر أعضاء مجلس النواب التابع للجماعة تقرير ما تسمى لجنة التنمية والنفط والثروات المعدنية ونتائج نزولها الميداني لمنشآت شركة النفط- النسخة المستحوذ عليها من قبل المليشيا الحوثية، إلى محافظة الحديدة. وأصدر المجلس توصيات تلزم وزارة المالية بالحكومة التابعة للجماعة بتمويل استكمال إنشاء خزانات النفط والغاز بميناء رأس عيسى "لتكوين احتياطي من مادة الغاز لمدة أربعة أشهر على الأقل" والمشتقات النفطية لمدة ستة أشهر، كما تلزم وزارة النفط التابعة للجماعة أيضا بإنشاء منشآت تخزينية للغاز المنزلي في أطراف أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء وتوسيع فتح محطات تعبئة الغاز لتغطي جميع أحياء ومناطق صنعاء والمدن الواقعة تحت سيطرة المليشيا. وهو ما اعتبره نشطاء محليون دليلا على لامبالاة المليشيا الحوثية بأرواح المواطنين بتكثيف إنشاء مثل هذه المحطات في الأحياء السكنية، كما اعتبروه دليلا على استغلال المليشيا ومشرفيها لمادة الغاز المنزلي التي يحتاجها المواطنون بشدة، لتمويل عملياتها العسكرية. وطلب المجلس أيضا من وزارة النفط الحوثية موافاته بنسخة من عقود شراء واستيراد المشتقات النفطية ومحاضر الاتفاقات التي تتم بين الشركة والشركات المستوردة، وهو دليل على حجم الفساد الذي تمارسه سلطات المليشيا النفطية، وعلى الاتفاقات السرية بينها وبين الشركات المستوردة والمصدرة. 

وتتوالى زيارات القيادات الحوثية إلى ميناء رأس عيسى لتفقد أعمال التوسعة في خزانات النفط والغاز وتوسيع الميناء، في إشارة إلى أهمية هذا الميناء بالنسبة لاقتصاد الجماعة الذي تشرف عليه إيران ويغذيه المواطنون اليمنيون المغلوبون على أمرهم ورجال الأعمال الذين ما زالوا في مناطق سيطرتها، وصولا إلى تهجير سكان القرى القريبة من الميناء لإخلاء المنطقة كاملة لصالح مشروعها الدخيل على اليمن.