عين تركيا على منابع النفط اليمني.. أبعاد تحويل الاهتمام من شبوة إلى حضرموت

تقارير - Tuesday 27 February 2024 الساعة 09:18 am
عدن، نيوزيمن، خاص:

يشكل الوضع غير المستقر سياسيا في اليمن فرصة لدول كثيرة، ولا سيما الدول الاستعمارية، للتنافس على تقاسم النفوذ والثروات الطبيعية في البلاد، ومن هذه الدول تركيا المعروفة باحتلال شمال اليمن مرتين خلال القرون الخمسة الماضية.

احتلت تركيا العثمانية شمال اليمن في القرن السادس عشر الميلادي لما يقارب المئة عام، وفي القرن التاسع عشر لأكثر من 40 سنة، واليوم تحاول تركيا الإخوانية بسط نفوذ لها في جنوب اليمن عبر بوابة الحكومة الشرعية وقناة حزب التجمع اليمني للإصلاح.

ونشرت صحيفة "العرب" الاثنين، تحليلا لتحولات اهتمام تركيا بتثبيت مصالح لها في اليمن، حيث سلط التحليل الضوء على تحويل أنقرة لاهتمامها من محافظة شبوة إلى محافظة حضرموت، معتبرا ذلك دلالة واضحة على سعيها للحصول على حصة في منابع النفط اليمني.

وتطرق التحليل إلى الزيارة التي قام بها السفير التركي لدى اليمن مصطفى بولانت، مؤخرا، إلى محافظة حضرموت، وهي أول زيارة لمسؤول تركي من هذا المستوى إلى المحافظة الغنية بالنفط. وذكر أن هذه الزيارة تكشف عن اهتمام تركيا بإيجاد موطئ قدم لها في المحافظة ذات الموقع الاستراتيجي المنفتح على بحر العرب والتي تحتوي أراضيها على مخزونات هامّة من النفط والغاز. والتقى السفير في حضرموت مع عدد كبير من المسؤولين في السلطة المحلية مدنيين وعسكريين، وعرض عليهم الشراكة مع تركيا في عدد من المجالات، مؤكّدا اهتمام أنقرة بالمحافظة التي وصفها بـ"واجهة" اليمن.

وجاءت هذه الزيارة مكمّلة لتحركات تركية في العديد من المناطق اليمنية الواقعة خارج سيطرة جماعة الحوثي حملت بالأساس عناوين إنسانية من خلال تقديم المساعدات للسكان المحليين وإطلاق مشاريع خدمية صغيرة تتعلق بالتعليم والصحة والنقل وتوفير المياه الصالحة للشرب.

وتسعى تركيا من وراء تلك المشاريع إلى الحفاظ على وجودها في اليمن كطرف منافس على النفوذ في مناطقه، خصوصا وأنّ موقعه الجغرافي يحمل ميزة القرب من مناطق نفوذها الجديدة في الساحل الشرقي لإفريقيا، حيث تمكّنت خلال السنوات الأخيرة من تركيز وجود عسكري لها في كل من جيبوتي والصومال، فيما تواصل محاولتها التواجد عسكريا في مناطق السودان المطلّة على البحر الأحمر. وتعوّل تركيا في مدّ نفوذها في اليمن على حلفائها من جماعة الإخوان المسلمين الممثلين محلّيا بحزب التجمّع اليمني للإصلاح الذي يحتفظ له بمعاقل في محافظات تعز ومأرب، وفي شمال حضرموت.

فشل الحليف المحلي

وأشار التحليل إلى ما وصفها بمعركة السيطرة على محافظة شبوة، وهي المعركة التي خسرها حزب الإصلاح، رغم المساعدات المالية التي كان تلقاها من كل من: قطر وتركيا أثناء تولي المقرّب منه محمد صالح بن عديو منصب المحافظ بهدف تثبيته في المحافظة النفطية والمطلة على خليج عدن. مضيفا: لا يعتبر من باب الصدفة تحويل تركيا لاهتمامها من شبوة التي أصبحت في غير متناولها بسبب قوّة نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي داخلها، إلى حضرموت التي ما يزال الإخوان يحافظون على مواقع لهم فيها ويشاركون في إدارة شؤونها المحلية ويسيطرون على جزء من القوات الموجودة على أرضها.

وما تزال مسألة النفوذ في حضرموت غير محسومة لأي طرف من الأطراف المتنافسة، خصوصا بعد انضمام المملكة العربية السعودية لتلك الأطراف ومحاولتها استخدام قوى محلية لتأمين تواجدها الدائم في المحافظة المجاورة لأراضيها والتي تؤمّن لها ممرّا حرّا نحو بحر العرب فالمحيط الهندي.

السعي نحو منابع النفط

وتجد تركيا في الصراع المفتوح على حضرموت إمكانية للمنافسة على النفوذ داخلها، ليس فقط لكونها محافظة نفطية، بل لأنّها مجاورة أيضا لمحافظة مأرب الغنية بدورها بالنفط والغاز والتي تحوّلت إلى معقل رئيسي لحزب الإصلاح الموالي لأنقرة. وتستجيب محافظة حضرموت والعديد من مناطق اليمن الأخرى للمواصفات التي تبحث عنها تركيا للوصول إلى بعض منابع الثروة النفطية العربية، والتي تتمثّل في كون تلك المناطق بمثابة خواصر رخوة بسبب عدم استقرارها وكثرة الصراعات داخلها الأمر الذي يسهّل اختراقها وفقا للمنظور التركي.

وسبق لتركيا أن طبقت هذا المنظور في إقليم كردستان العراق، حيث ظلتّ لسنوات طويلة تستفيد من خلافات حكومته مع الحكومة الاتحادية العراقية وتقوم بالحصول على كميات كبيرة من النفط المنتج في حقوله بأسعار منخفضة وتصدّره عبر ميناء جيهان، بينما ما تزال تبذل محاولات كثيفة لمد نفوذها في محافظة كركوك النفطية المتنازع عليها بين أكراد العراق والدولة العراقية.

كذلك لا تنفصل محاولات التدخّل التركي في ليبيا عن التكتيك ذاته القائم على استغلال الصراعات وحالات عدم الاستقرار بهدف التمدّد باتجاه منابع النفط العربية. وعقد السفير بولانت لقاء في مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، مع المحافظ مبخوت بن ماضي بحضور الأمين العام للمجلس المحلي صالح العمقي وقائد المنطقة العسكرية الثانية طالب بارجاش ووكيل المحافظة للشؤون الفنية أمين بارزيق ومدير عام مكتب وزارة الخارجية بحضرموت سالم بلفقيه ومدير عام مكتب جهاز الأمن السياسي عبدالقادر باربيد.

وقالت وسائل إعلام يمنية: إنّ اللقاء شهد بحث العلاقات الثنائية اليمنية التركية. وجرت خلاله مناقشة مجالات التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري وبحث إقامة شراكات استثمارية وفي مجالات التدريب والتأهيل ودعم قطاعات الابتعاث العلمي والقطاع الصحي.

وأثنى المحافظ على "ما تقدّمه الحكومة التركية من مساعدات لليمن ومن تسهيلات قنصلية لأبناء الجالية اليمنية في تركيا". وعبّر السفير من جهته عن دعم بلاده للسلطة الشرعية اليمنية ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي وتأييدها الجهود الأممية لإيجاد حل سياسي شامل ينهي الأزمة اليمنية، وأكد أهمية زيارته لمحافظة حضرموت التي تمثّل في نظره واجهة اليمن.

ولا يتعارض تعامل تركيا مع القنوات الرسمية ممثّلة في السلطة التي يقودها العليمي مع وجود قنوات فرعية تحاول من خلالها تركيز نفوذها في اليمن، حيث يظل حزب التجمّع اليمني للإصلاح حليفها الأوثق في البلد. ولم يمثّل اعتماد تركيا على الإخوان في اليمن ميزة لها في كل الأحوال بل أدى إلى نتائج عكسية، حيث لم يستطع هؤلاء الحفاظ على مواقعهم في مناطق مهمة ما أدّى إلى إغلاق تلك المناطق في وجه محاولات التدخّل التركي.

وينطبق ذلك على محافظة شبوة التي فقد حزب الإصلاح سيطرته على سلطاتها المحلّية بفعل قوّة الحضور العسكري والسياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي على أرضها، ويمكن أن ينطبق أيضا على حضرموت بحدّ ذاتها التي ما يزال المجلس يفرض سيطرته على أهم مناطقها وخصوصا منطقة الساحل التي ما تزال عصية على اختراق الإخوان العاملين تحت يافطة السلطة الشرعية.