"ميادة".. فتاة يمنية تصارع السرطان وتحقق المستحيل

السياسية - Friday 16 December 2022 الساعة 07:25 am
تعز، نيوزيمن، خولة الطيب:

في عمر 15 ربيعاً كانت أول رحلة طيران لميادة، لم تكن سعيدة بهذه الرحلة، فالسفر للفتاة اليمنية في هذا العمر يعتبر حلماً، لكنها كانت تعلم أن هذا السفر سوف يغير حياتها بشكل كبير جداً.

رغم الصدمة الحضارية التي تصيب كل اليمنيين عندما يصلون مطار القاهرة الدولي بجمهورية مصر الشقيقة، لكن ميادة كانت تعيش صدمة داخلية تفوق الانبهار بالفارق الحضاري بين مطار عدن ومطار القاهرة، فكان جل تفكيرها كيف ستعود بعد هذه الرحلة. 

الرحلة التي غيرت حياتي  

بعد معاناة استمرت خمسة أعوام، مع انتشار مرض السرطان في إحدى ساقيها، انتقلت ميادة عبد الرحيم المقطري من مدينة تعز إلى جمهورية مصر برفقة والدها لإجراء عملية بتر لساقها اليمنى نتيجة الورم الذي تفشى فيها.

قرار صعب أجبرت أسرتها على تقبله وتلقته ميادة كالصاعقة، فقد وضعت بين خيارين كلاهما مر، إما بتر الساق وحماية بقية جسدها، أو رفض البتر والسماح للسرطان بالانتشار في جسدها، فكان لزاماً عليها أن تقبل بالخيار الأول لتبقى على قيد الحياة. 

توجهت ميادة إلى غرفة العمليات لتخضع للإجراءات الأولية قبل عملية البتر، وقبل أن يبدأ مفعول التخدير، فكان السؤال الذي يراود الكثيرين لحظتها "كيف ستعيش هذه الطفلة مع اعاقتها وكيف ستتقبل الأمر" هذا ما كان يهمس به الأطباء فيما بينهم قبل عملية البتر.

غادرت ميادة المشفى بمشاعر متبلدة من دون ساقها، تقول: "كنت عاجزة تماما عن الكلام أو وصف الالم النفسي الذي أشعر به، كنت أشعر بازدحام الكلمات في حنجرتي اكتفيت بالصمت والتحديق في الأشياء والبكاء".

تدمرت نفسيتها وبدأت تدخل في حالة من الاكتئاب.. من أجل تجاوز الطفلة الألم النفسي قرر والدها اللجوء للمهدئات واستخدام اقراص منومة مع العصير  في أغلب الأحيان، عندما اكتشفت الطفلة الأمر رفضت تناول المنوم "لم يكن النوم حلا مناسبا، كان على ميادة أن تقف برجل واحدة دون مساعدة أحد".

معاناة الطرف الصناعي

رغم ما عاشته ميادة من لحظات قاسية، إلا أنها قررت العودة للحياة الطبيعية وتغلبت على مخاوفها من السقوط وترددها في بلوغ الهدف. 

توجهت إلى مركز الأطراف الصناعية وبدأت محاولة المشي على الطرف الصناعي، تدربت لأيام حتى استطاعت الوقوف من جديد، لكن  الأطراف المتوفرة في اليمن لم تتناسب مع إصابة ميادة بسبب فقدانها لمفصل الركبة هي بحاجة لطرف صناعي فوق الركبة من السيلكون لا يتوفر باليمن. 

تسبب الطرف الصناعي لميادة بالتهابات وتمزقات حادة ضاعفت من معاناتها فقررت الاستغناء عن الطرف الصناعي والاعتماد على العكاز لمواصلة مشوار الكفاح. 

مجتمع متنمر

بغصة تحدثت ميادة لـ"نيوزيمن" عن تعامل المجتمع المحيط بها مع اعاقتها،  خصوصاً في مرحلتي التعليم الاساسي والثانوي، تتحدث عن بعض المواقف قائلة: "عندما كنت ارفع يدي من أجل الإجابة عن الأسئلة في الحصص الدراسية، كنت اواجه تنمرا من زميلاتي بسبب صعوبة الوقوف واسمع كلمات جارحة، مثل اجلسي ما بتعرفيش".

تضيف: "كنت اضطر لدفع جسدي الى أمام السبورة متجاهلة تنمر من حولي".

بقدم سوف أثبت نفسي

نظرات الشفقة والرحمة التي كانت تلاحقها وتذمر الآخرين عند مساعدتها، دفعها للإصرار والاعتماد على نفسها. التحقت ميادة بالتعليم الجامعي بالرغم من  مرور شهرين على بداية الفصل الدراسي الاول، تحديها واصرارها كانا واضحين من خلال حصولها على علامات جيدة في السنة الدراسية الاولى، والتي كانت  كفيلة بإقناع والدها الذي قابلها بالرفض في بداية الأمر، بالاستمرار والمتابعة.  

أربعة أعوام من الاجتهاد المتواصل والاعتماد على النفس دون مرافقة أحد  سواء في الذهاب والعودة الى الجامعة، أو مرافقتها للعيادة لمتابعة حالتها الصحية فهي لا تزال تعاني من ورم سرطاني في عظمة الفخذ. 

استطاعت ميادة قطف ثمرة تعبها هذا العام بحصولها على منحة ماجستير مقدمة من كلية العلوم الإدارية تقديرا لجهودها وكفاحها ورغبتها على مواصلة التعليم. 

يقول صادق النبهاني زميل ميادة في الجامعة لـ"نيوزيمن": "كانت ميادة مصدر إلهام لنا جميعاً لنصل إلى لحظات النجاح لقد أصرت أن تتحدى الواقع وتسلك طريق الكفاح، كما ان طموحها لم ينته هنا هي في طريقها نحو الدراسات العليا، متمنيا لها التوفيق على الدوام". 

بهمتها العالية تواصل ميادة التحدي ويراودها حلم الحصول على مفصل صناعي  يتلاءم مع إصابتها لعله يخفف عنها جزءاً من المعاناة التي ترافقها في حياتها.