في زمن الحوثي: أسر ميسورة تعجز عن كسوة أولادها والفقراء يتسولون ملابس العيد

الحوثي تحت المجهر - Saturday 09 April 2022 الساعة 11:33 am
صنعاء، نيوزيمن، استطلاع خاص:

يتجول أبو محمد العمري وهو والد لخمسة أطفال، في عديد مولات تجارية ومحال بيع الملابس في أسواق هائل، وجمال، والقصر، وباب اليمن في صنعاء من أجل شراء ملابس العيد لأولاده.

تحدث أبو محمد لمندوب (نيوزيمن) بحسرة كبيرة، شاكيا من الغلاء غير المسبوق في الأسعار كما يقول هذا العام وبشكل مختلف عن كل الأعوام السابقة، مؤكدا أن أسعار الملابس لهذا العام جنونية وتكاد لا تصدق.

أوضاع متردية وغلاء فاحش

وقال: نعيش أوضاعا اقتصادية متردية منذ عام 2011م وما تلاها من سنوات عجاف، وجاءت سنوات الحرب لتزيد الطين بلة خصوصا مع انقطاع المرتبات، وتوقف عدد من الشركات ومغادرة بعضها لصنعاء، ومع ذلك ونتيجة لقدرة البعض على إيجاد مصدر رزق خاص به، كما هو حالي أنا، حيث أمتلك بقالة صغيرة تدر علي دخلا يكفي لإعالة أسرتي المكونة من خمسة أولاد بالإضافة إلي وزوجتي ومع ذلك فهذا المصدر لم يعد يكفيني.

يضيف أبو محمد: أنا كنت أعمل موظفا في وزارة الزراعة ومنذ انقطاع المرتبات وإقصاء الكثير من الموظفين واستبدالهم بموظفين جدد يتبعون مليشيات الحوثي، الذراع الإيرانية في اليمن، اضطررت لجمع كل مدخراتي وبيع مجوهرات زوجتي وكل ما كنت قد جمعته طيلة سنوات عمري (50 عاما) وفتحت بقالة صغيرة والحمد لله باتت هي مصدر دخلي واستطعت من خلالها أن أحافظ على أدنى مستوى للعيش مع أسرتي مقارنة بكثيرين من موظفي الدولة الذين باتوا يعيشون حالة فقر مدقع جراء  إقصائهم من وظائفهم واستبدالهم بموظفين جدد، ثم انقطاع المرتبات.

أبو محمد مثله مثل معظم سكان صنعاء ومناطق سيطرة المليشيات الحوثية يحاولون مقارعة صعوبات الحياة بشتى الوسائل، ولكن تردي الأوضاع الاقتصادية والغلاء المجنون في الأسعار يكاد يسرق منهم حتى القدرة على الصمود في مواجهة هذه الأوضاع خصوصا أولئك الذين يعيلون أسرا مكونة من أكثر من ثلاثة أو أربعة أشخاص.

ويتابع العمري متحدثا: منذ ثلاثة أيام وأنا أطوف بالمحال الخاصة ببيع الملابس وبالشوارع التي تنتشر فيها محال بيع الملابس وللأسف لم أستطع أن اشتري ملابس لجميع أولادي الخمسة بسبب الغلاء الفاحش في الأسعار خصوصا هذا العام، ومما يثير الحزن أنك تجد الأسعار متفاوتة من محل إلى آخر ومن شارع إلى آخر حتى لنفس السلعة ولنفس الملابس وخصوصا ملابس الأطفال نتيجة انعدام الدولة ورقابتها.

ويستطرد أبو محمد بالقول: قبل العام 2011م وحتى قبل سيطرة مليشيات الحوثي على الدولة كنت أشتري لكل طفل من أطفالي ثلاثة أنواع من الملابس في عيد الفطر ومثلها في عيد الأضحى ناهيك عن شراء ملابس كهدايا لهم طيلة العام، لكن وحتى مع اضطرارنا لكسوتهم بلبس واحد فقط خلال عيد الفطر وأحيانا خلال السنة كلها كما حدث في العامين الأخيرين فإننا أصبحنا عاجزين عن توفير ذلك.

ويختتم: صرفت حتى الآن ما يزيد عن (150) ألف ريال أي قرابة ألف ريال سعودي حسب سعر الصرف في صنعاء ومع ذلك لم أكمل حتى الآن سوى شراء كسوة لثلاثة من الأولاد وباقي لي ولدان لم اشتر لهما كسوة العيد حتى الآن بسبب الغلاء الفاحش لأسعار الملابس، مع أنني حاولت أن أسرع في شراء كسوة العيد مع أول أيام رمضان لأن الأسعار تزداد ارتفاعا كلما اقترب موعد العيد، وقارن وضعي الذي لا يزال ميسورا -والحمد لله- مقارنة بغيري ممن لم يعد لديهم أي مصدر دخل.

لا شيء سوى أكذوبة استقرار الصرف

في مركز سيتي ماكس بشارع الستين بصنعاء كانت أم محمد تتجول باحثة عن شراء كسوة العيد لطفليها (الأكبر يبلغ 15 عاما والصغير يبلغ 9 أعوام) ووضعها لا يختلف عن غيرها من المواطنين. حيث قالت لمندوب نيوزيمن: أسعار الملابس هذا العام لا تصدق أنها مرتفعة بشكل هستيري حتى إن كثيرا من الناس لن يستطيعوا شراء كسوة العيد لأولادهم.

وأضافت أم محمد وهي معلمة في إحدى المدارس الخاصة بجانب عملها كمعلمة في مدرسة حكومية: الحوثيون يصمون آذاننا بالحديث عن استقرار أسعار صرف الريال مقابل العملات الأجنبية عند (600 للدولار مقابل الريال، و160 للسعودي مقابل الريال) ويعتبرون ذلك نجاحا كبيرا، فيما الحقيقة أن ذلك مجرد أكذوبة من كذباتهم الكثيرة، والدليل على ذلك أسعار كل السلع الغذائية وغيرها التي ارتفعت بمقدار الضعفين فيما سعر الصرف ثابت.

وتدلل: كنت اشتري لابني أيهم (9 أعوام) كسوة عيد مكونة من بدلتين بمبلغ لا يزيد عن (25 ألف ريال) أي ما يعادل (42 دولارا) والآن اشتري له كسوة واحدة بمبلغ (35 ألف ريال) أي ما يعادل (58 دولارا) ومع ذلك فستجد المليشيات الحوثية تحدثك عن استقرار سعر الصرف.

وتختتم: وما يزيد السخرية من أكاذيب الحوثي أنهم يتحدثون عن انهيار سعر الريال في مناطق سيطرة الشرعية مقابل العملات الأجنبية وهذا صحيح، لكن حين مقارنة الأسعار سنجد أن أسعار الملابس هناك أرخص بكثير من أسعارها في صنعاء التي تشهد كما يزعمون استقرارا في سعر الصرف.

الفقراء يكسون أولادهم بالتسول

وفي صورة أخرى لمدى تردي الأوضاع الاقتصادية في صنعاء ومناطق سيطرة المليشيات الحوثية باتت كثير من الأسر خصوصا الموظفين الذين انقطعت مرتباتهم عاجزة عن كسوة أولادها في الأعياد.

ويؤكد أبو صالح وهو عاقل حارة في أحد احياء صنعاء لنيوزيمن: أن كثيرا من الأسر التي يعيلها أشخاص كانوا موظفين في مؤسسات الدولة باتوا عاجزين عن كسوة أولادهم، وقال: أعرف بعض الآباء والأمهات الذين باتوا يعيشون حالة فقر يتسولون الملابس لأولادهم من بعض الأسر الغنية.

ويضيف: البعض منهم يضطر عبر عقال الحارات أو عبر العلاقات الشخصية وبالذات بين النساء للبحث عن كسوة لأبنائه من ما تجود به بعض الأسر الميسورة الحال وأنا شاهد على كثير من هذه الحالات ومساهم فيها باعتبار ذلك جزءا من التكافل الاجتماعي.

ويختتم: منذ انقلاب المليشيات في 21 سبتمبر 2014م بات هذا المشهد جزءا من الصورة التي تعيشها صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين وكل عام يمر تزداد الصورة قتامة والمشهد مأساوية ولا يبدو في الأفق أي أمل لتبدل أو تغير هذا الوضع.

إتاوات الحوثيين سبب الغلاء الفاحش

ولتفسير هذه الأوضاع اتجه نيوزيمن بسؤال لأحد تجار الملابس الذي كان اختصر جوابه بجملة واحدة: إتاوات الحوثي هي سبب الغلاء.

وقال أحمد: الناس يلومون التجار أنهم سبب رفع الأسعار وخصوصا أسعار الملابس وهذا ظلم كبير، نحن لا نرفع الأسعار بإرادتنا أو نتيجة جشعنا، لكننا مضطرون لذلك جراء الإتاوات التي تفرضها مليشيات الحوثي علينا خصوصا ما يسمى بالجمارك الإضافية.

ويضيف: نحن نستورد الملابس من الخارج وحين تصل إلى المنافذ البحرية أو البرية خصوصا المنافذ الخاضعة لسيطرة حكومة الشرعية يتم فرض جمارك على هذه السلع وفقا للقانون، وحين ننقلها إلى مناطق سيطرة الحوثيين نضطر لدفع جمارك إضافية خارجة عن القانون وهو الأمر الذي يحملنا أعباء إضافية على أسعار هذه الملابس وبالتالي نضطر لرفع أسعارها على المواطن.

ويختتم: ولو قارنت سعر أي لباس خاص بالأطفال مثلا ستجد أن سعره في تعز أو عدن أرخص من سعره في صنعاء والسبب الجمارك الحوثية الإضافية، ناهيك عن ما ندفعه من ضرائب، وزكاة، وإتاوات اخرى تفرض على التجار خصوصا التجار الكبار كنوع من الابتزاز من قبل مسؤولين حوثيين وكل ذلك يدفع ثمنه المواطن.

وتشهد الأسواق في صنعاء وبقية مناطق سيطرة المليشيات الحوثية ارتفاعا جنونيا هذا العام في أسعار الملابس وبشكل لم يسبق له مثيل رغم استمرار تشدق المليشيات بأكذوبة استقرار سعر الصرف، وهو الأمر الذي يلقي بأعباء كبيرة على كاهل المواطنين، بل ويسهم في عجز الكثير منهم عن كسوة أولادهم خلال عيد الفطر، بل إن بعضهم يضطر لتسول الملابس في السر بهدف إدخال الفرحة لأطفاله في العيد.