إعادة الانتشار بالساحل الغربي.. في ميزان الربح والخسارة
تقارير - Monday 15 November 2021 الساعة 07:02 amلم تهدأ حدة الجدل السياسي حول أسباب ودوافع الانسحابات أو "إعادة التموضع" الذي نفذته القوات المشتركة في الساحل الغربي بشكل مفاجئ يومي الخميس والجمعة، رغم إصدارها بياناً رسمياً حاولت فيه شرح أسباب ودوافع ما حدث.
جدل تنوع بين مناصرة الخطوة بشكل مطلق ومن هاجمها بشكل حاد ووصفها بالخيانة وبخاصة "التيار الإخواني" الذي وجدها فرصة للنيل من قوات الساحل الغربي، وبين من حاول تفسيرها عبر نظرية "المؤامرة" ووضعها في سياق "طبخة سياسية" بين قوى إقليمية ودولية لإنهاء الحرب في اليمن.
غاب عن هذا الجدل محاولة تفسير ما حدث بوضعه في سياق مشهد الحرب في اليمن بشكل عام مع قراءة الخارطة العسكرية ما قبل وما بعد الانسحاب أو إعادة التموضع وتقييم ذلك بمعيار الربح والخسارة عسكرياً.
رغم أن كل ذلك لخصته فقرة واحدة في بيان القوات المشتركة والذي قالت فيه بأنها رأت "خطأ بقائها محاصرة في متاريس دفاعية ممنوع عليها الحرب، بقرار دولي، فيما الجبهات المختلفة تتطلب دعمًا بكلِّ الأشكال؛ ومنها: فتح جبهات أخرى توقف الحوثيين عند حدهم".
تصور الجملة الأولى من هذه العبارة صورة "المأزق العسكري" الذي وقعت فيه القوات المشتركة منذ توقيع اتفاق (ستوكهولم) أواخر 2018م، وحجم الكلفة التي تكبدتها للحفاظ على مواقعها شرق وجنوب مدينة الحديدة منذ ذلك الحين أي منذ ثلاث سنوات.
فبعد تحرير الخوخة أواخر 2017م، اندفعت القوات المشتركة خلال 10 أشهر نحو 100كم حتى باتت على بعد أقل من 5كم فقط من آخر منفذ لمدينة الحديدة شمالاً ما يعني إطباق الحصار على مليشيات الحوثي بداخلها بشكل كامل.
اندفاع القوات المشتركة جاء حينها على زخم انتصارات متسارعة اوحت بسرعة حسم المعركة في مدينة الحديدة، رغم الخطأ العسكري الفادح الذي ارتكبته في اندفاعها على طول الخط الساحلي دون التوغل وتأمين اندفاعها بالسيطرة على سلسلة المدن الصغيرة ما بعد حيس والموازية لخط سيرها.
تجلى هذا الخطأ أو المأزق مع توقيع اتفاق السويد أواخر 2018م الذي أوقف العمليات العسكرية في الساحل الغربي تماماً، ما جعل من جبهات القوات المشتركة ما بعد الخوخة إلى ضواحي مدينة الحديدة تحت رحمة قطع خط إمدادها في أي لحظة من قبل مليشيات الحوثي.
ومع مرور الوقت -ما بعد الاتفاق– تزايدت الكلفة التي تتكبدها القوات المشتركة بشكل يومي لصد خروقات مليشيات الحوثي التي لم تلتزم باتفاق السويد، مع تمسك الشرعية باتفاق السويد ورفض اسقاطه رغم تكرار المطالبة من قادة القوات بالساحل الغربي.
ليأتي بدء مسلسل انهيار جبهات الشرعية مع منتصف عام 2019م ليضاعف الخطر على قوات الساحل الغربي، بعد أن عملت هذه الانهيارات على تقوية مليشيات الحوثي مادياً بالأسلحة والعتاد التي غنمتها من هذه الجبهات ونفسياً باكتسابها مزيداً من المقاتلين، وكانت محصلة هذا التساقط اقتراب مليشيات الحوثي مؤخراً من تطويق مدينة مأرب.
خطورة المشهد في مأرب واحتمالية سقوط منابع النفط والغاز بيد جماعة الحوثي، تزامن مع تهديدات لقيادات حوثية بالتوسع والتمدد نحو باقي المناطق المحررة، وعلى رأسها الساحل الغربي التي تعد – عسكرياً – الجبهة الأسهل لمليشيات الحوثي بالنظر إلى تموضع القوات المشتركة على طول خط الساحل بمحور ضيق لا يتجاوز عرضه في أجزاء منه 5كم فقط، ما يسهل قطع خطوط إمداد الجبهات المتقدمة وفصلها إلى جزأين.
هذا السيناريو يجعل من بقاء القوات المشتركة بتموضعها الحالي خطراً حقيقياً -في حالة حسم مليشيات الحوثي للمعركة في مأرب– ما يعني أن ترمي مليشيات الحوثي بكل ثقلها نحو جبهة الساحل الغربي وسيضع القوات المشتركة في مواجهة مع مليشيات قادرة على حشد المئات أو الآلاف من المقاتلين دون اكتراث بحجم الخسارة في صفوفهم، وندخل حربا يقررها الحوثي زمانا ومكانا فيما يتبقى القوات المشتركة مقيدة باستوكهولم. وفي أسوأ الأحوال ستدخل في معركة استنزاف طويلة ومكلفة.
دخول القوات المشتركة في هذا المشهد يهدد بتداعيات خطيرة، بالنظر إلى أن غالبية هذه القوات المنتشرة في الجبهات المتقدمة بالساحل الغربي هي ألوية العمالقة الجنوبية، ودخولها في كهذا استنزاف سيقابل بغضب سياسي ومجتمعي في الجنوب لرفض تقديم تضحيات مكلفة في معركة غير مجدية وعلى أرض "شمالية".
وما سيعزز من هذا الغضب في الشارع الجنوبي هو الخطر الذي بات يهدد محافظات الجنوب بتمدد مليشيات الحوثي وتحديداً في شبوة التي سيطرت فيها المليشيات أواخر شهر سبتمبر على ثلاث مديريات بدون قتال، كما يتهدد ذات الخطر محافظات أبين والضالع ولحج، وخاصة إذا تمكنت المليشيات من حسم المعركة في مارب ما يعني اكتسابها لموارد مالية هائلة ستمكنها من حشد آلاف المقاتلين وتمويل جولة حرب عنيفة.
وفي الجانب الآخر فإن بيان القوات المشتركة يعد –ضمنياً– إعلاناً بإنهاء اتفاق السويد، حيث قال بأنها "نفذت قرار إخلاء المناطق المحكومة باتفاق (السويد)، لكون تلك المناطق محكومة باتفاق دولي يبقيها مناطق منزوعة السلاح".
فإخلاء القوات المشتركة لهذه المناطق يعد تنفيذاً من جانبها لكل بنود الاتفاق، ويرمي بالكرة في مرمى الأمم المتحدة والعالم لإجبار الحوثي على تنفيذه من جانبه، وهو امر شبه مستحيل، في حين أن أي حماقة حوثية بالتقدم نحو تمركز القوات المشتركة حالياً يعني عملياً انتهاء الاتفاق ويجعل أيضاً من خيارات الرد عليه مفتوحة بما فيها التقدم من جديد نحو مدينة الحديدة.
وبالمجمل فإن هذه الخطوة تتيح المجال أمام خيارات عسكرية مفتوحة للقوات المشتركة خلال الفترة المتقدمة وبشكل متحرر من أي قيود دولية بعيداً عن اتفاق السويد، وربما بعيداً عن مدينة الحديدة أيضاً.