المشهد العربي يعيش حالة صراع بين مشروعين: الإسلام السياسي المنخرط مع إيران والمناوئين له
تقارير - Friday 29 January 2021 الساعة 11:41 amفي "الجزء الثاني" من هذا الحوار سنتوقف مع د. فارس البيل عند المشهد العربي والتباينات الحادة بين الأنظمة من جانب، والصراع القائم بين جماعات الإسلام السياسي والمناوئين لها من الليبراليين من جانب آخر، وأداء الإعلام العربي وإمكانية عودة العراق إلى الحاضنة العربية.
**لو انتقلنا للحديث عن المشهد العربي، التباينات الحادة بين بعض الأنظمة، فقدان دول محورية لصالح أقطاب أخرى مثلًا العراق، هل لا يزال هناك أمل في عودتها إلى الحاضنة العربية أم أنه فات القطار؟
*في تصوري للمشهد العربي هناك صراع بين "مشروعين" في الوقت الحاضر أو على الأقل المنطقة الوسطى والشرقية، على اعتبار أن المغرب العربي بعيد إلى حد ما من حالة الصراع أو قل لديه مشاكله.
الصراع وحدة التباينات
مشروع الإسلام السياسي والمشروع المناوئ له يمكن تسميته بالليبرالي، أو المعادي للإسلام السياسي لغايات قد تكون ذاتية طبعًا.
هذا الصراع برز بشكل كبير بعد اندلاع ثورات 2011، يقود المشروع الأول تنظيم الإخوان المسلمين بشكل عام باستقطاب الدول التي تدور حوله، بالمقابل لديك الصف المناوئ الذي تقوده الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر.
في 2011 كان الصراع أمام الناس أن هناك ثورات لكن المشروعين كانا يتصارعان بشكل كبير، تلاحظ مصر أُخذت من المشروع الأول ثم اُستعيدت، سوريا، ليبيا، السودان، تونس، اليمن، كلها حدثت لها استقطابات، الناس لاحظت الصراع غير أن الصورة الحقيقية من بعيد هناك حالة من لعبة الشطرنج، هذا ما يحدث حتى الآن وفي حالة الأزمة الخليجية؛ وانعكس حتى على المشهد اليمني، لذلك تلاحظ حالة الاستقطاب الحاد بين المشروعين، هناك تفاصيل كثيرة لكن الصراع الآن قائم على هذا.
من يمسك المنطقة.. هل المشروع السياسي وهو يريد ذلك بالتأكيد أم الذي أتى بالأساس ليناوئ مشروع الإسلام السياسي وهو يحاول على الأقل أن يُبقي الدول العربية بعيدًا عن سيطرة هذا المشروع.
سيستمر هذا الصراع حتى يغلب طرف.
العراق.. والاستقطابات
**بالنسبة للعراق.. هل من السهولة بمكان عودته إلى الحاضنة العربية أم فات القطار؟
*أعتقد العرب خسروا العراق، والمشكلة المجتمع والدول والأنظمة العربية لم تكن تمتلك رؤية حقيقية ممثلة بجامعة الدول العربية للمحافظة على الهُوية العربية بما فيها. تخيل هذه الأزمات التي تحدث الآن في ظل غياب العراق لو كان موجودًا كيف سيكون الوضع؟ مختلفا. في ظل غياب سوريا وغياب الكثير من الحركة السياسية؛ الآن حالة من الجمود العربي الكبير، لكن بإمكان العرب استرداد العراق طالما وقد ظهر الصراع بشكل واضح.
إيران الآن منخرطة مع المشروع الأول أو المشروع منخرط معها، هما مختلفان أيديولوجيا واستراتيجيا، لكن هذا يخدم الإسلام السياسي الذي يَشعر بأن إيران يمكن أن يتخذ منها وسيلة للنفوذ، وإيران نفس التصور. الحمل ثقيل في استعادة العراق أو سوريا أو لبنان في ظل حالة الصراع الموجودة.
**بالنسبة لجماعة الإسلام السياسي مصر كانت تمثل أهم محور، ولذا لا نستطيع الجزم أنهم انتهوا أو اختفوا، إنما عمليًا لم يعد لهم وجود..
*فقدوا مصر بشكل كبير، وحالة غياب الإخوان عن مصر هذه الفترة ربما تكون الأكثر في تاريخهم، صحيح تعرضوا لهزات من أيام عبد الناصر، لكن كان لهم حضور، هم لم يختفوا لكن حصل لهم من الكتم، ولذلك استعادة الدور مرهون بنجاح مشروعهم في مناطق مختلفة لكن في مصر تحتاج سنين كثيرة.
أداء الإعلام العربي
**في نفس السياق إنما حول "الإعلام العربي" كمنظومة تملك دعمًا هائلًا وإمكانات كبيرة. لم نلمس مشروعًا حقيقيًا يحاكي القضايا المصيرية، الشباب، بل ربما أصبح جزءاً من خلق الأزمات؛ بدليل هذا الصراع البيني والتكتلات وتغييب المجتمع؟
*تعتبر قنوات الإعلام في المنطقة العربية من أغنى القنوات وربما على مستوى العالم، وتنافس حركة الإعلام في بعض المناطق ثرية ديمقراطيًا وثقافيًا، لكن لا يزال الإعلام في المنطقة مأخوذاً بصانعه، وهذا ينعكس بشكل كبير حول غياب صوت المثقف ليس له تأثير ولا يفرض رؤيته بحيث يكون له قرار على توجيهات الإعلام.
السياسة هي التي تصنع، ولذلك تُوجه الإعلام كما تشاء، لدينا قنوات بعدد مهول ومواقع وجيش من الإعلاميين، لكن لا يوجد صوت بالمعنى العميق خارج من حالة الاستقطاب أو الإعلام الموجه، وإلا في ظل هذا الزخم الإعلامي الكبير يكون لدينا قنوات تمثل نوعًا ما من المصداقية..
الآن لا توجد قناة واحدة يمكن أن تقول إنها صوت العقل وتمثلني كمواطن، كل مشروع ومحور لديه قنواته، هناك تجارب في أوروبا تتبع حكومات ومع ذلك تقدم الصوت الموضوعي والصورة المهنية، طبعًا هذا في جانب "السياسة"، حتى الغياب في الهوية والثقافة العربية تجد أن هذه القنوات تظل تتداول نفس الخبر من زوايا مختلفة، لا تجد قناة معينة تمدك بمادة غنية من الوعي السياسي وغيره بشكل مقنع. المفروض مع حالة الثراء هذه أن يكون الوضع مختلفًا، وهو في صالح الأنظمة أيضًا.