الباحث والأكاديمي العراقي حاتم الصكر لـ"نيوزيمن": دراستي الجديدة تتفحص الأوجه الممكنة للمثاقفة وتنصيص الآخر

السياسية - Saturday 24 October 2020 الساعة 10:48 am
القاهرة، نيوزيمن، خاص:

يعد الدكتور العراقي حاتم الصكر، المولود في بغداد بتاريخ 24 ديسمبر 1945م، من أهم الروافع النقدية والروافد الشعرية في العراق والوطن العربي.

له العديد من الدراسات والأبحاث والنصوص الشعرية، والإسهامات البارزة في مجال التعليم الأساسي والأكاديمي منذ أواخر الستينات.

استطاع الحضور بشكل لافت من خلال قاعات المحاضرات وكتاباته النقدية في كثير من الدوريات والمجلات العربية الهامة، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة ونوعية من المؤلفات.

عمل محاضرًا في جامعة صنعاء كلية الآداب واللغات والإعلام منذ العام 1995، كما كان محاضرًا في مادة "المرأة والأدب" مركز البحوث والدراسات النسوية بالجامعة.

غادر العاصمة صنعاء في 14 نيسان/ أبريل 2011م متوجها إلى الولايات المتحدة الأمريكية ليستقر هناك نظرًا للظروف الاستثنائية التي تعيشها بغداد وبقية مدن العراق منذ أكثر من 17 عامًا.

تنصيص الآخر في المثاقفة الشعرية

صدر حديثًا في العاصمة الأردنية عمّان عن دار "خطوط وظلال للدراسات والنشر"، كتاب جديد للدكتور والناقد العراقي حاتم الصكر تحت عنوان "تنصيص الآخر في المثقافة الشعرية والمنهج ونقد النقد".

وبحسب المؤلف تتمحور الدراسة حول التثاقف كعملية فنية تأخذ مظاهر عديدة، كالتأثر والتناص، ورؤية المدينة والآخر، ونقد النقد والتغيرات.

ويضيف إن دراسة هذا الكتاب تقوم على تقارب موضوع يتصل بالكتابة الشعرية وما اقترحته دروس التناص والتأثر؛ هو المثاقفة الشعرية، مما يعد ضرورياً لتكوين الشاعر الذي لا يمكن أن يكتفي بموهبته وقدراته، دون أن يرفدها بالمصادر التي تعمق الموهبة إلى جانب الخبرة والتجربة الإنسانية.

كما أن الأطروحة، بحسب ما صرح لموقع "نيوزيمن"، تقوم بتفحص الأوجه الممكنة للمثاقفة، لكونها أحد الروافد المرجعية للكتابة الشعرية العربية.

دوافع البحث

وفي سؤال حول الدوافع التي دعته إلى الخوض في هذه الجزئيات التي لعبت دورًا كبيرًا وأسهمت بشكل مباشر وغير مباشر في عملية التثاقف؟

يجيب بأن المهمة التي يكشفها عنوان الكتاب هي البحث لا عن التفوهات والمعتقدات النظرية حول الصلة بالآخر، بل عبر ما جرى له من تنصيص، أي اتخاذه وجوداً نصياً في القصيدة. الأمر الذي أدى إلى مراجعة بعض تجارب التأثر والتناصات الكبرى في القصيدة العربية ونماذجها المؤثرة.

في السياق ذاته، يضيف بأنه تعرض للتثاقف المدني في إطار الدراسة، وموقف الشاعر العربي من مدينة الآخر، متخذاً من "نيويورك" نموذجاً لما كُتب فيها من تجارب عربية وغير عربية.

كما كانت المدينة بين النص والصورة مجالاً لبحث الدوافع الأيديولوجية والحضارية للتعامل مع المدينة.

من ضمن دوافع هذه الدراسة هو تناول تجربة المهجر الجديد والمنافي عبر التثاقف المباشر مع الآخر، ودوافع شتى تنعكس في النصوص.

كما حاول المؤلف استقصاء بعض مظاهر التثاقف المنهجية وتمثلاتها، ونقد النقد كإجراء وكلام ثالث على النصوص ونقدها.

إسهامات الترجمة

في هذه النقطة يعزز الكاتب دور الترجمة بالكثير من الإيضاح فيقول:

إذا كان للترجمة والدراسات المقارنة إسهامها الواضح في المثاقفة مع الآخر بطريق تقديمه كما في متونه وعبرها فيكون باثّاً والمتلقّي العربي مستقبلاً، فإن درس المثاقفة، والمثاقفة الشعرية خاصة، يهب القراءة فرصتين:

أولاهما، أنه يتفحص وجود الآخر والصلة به عبر متون عربية يكون التناص والتأثر والهضم أهم مبرراتها وأركانها أيضاً.

ثانيهما، أنه يتيح فنياً تلمس الكيفيات النصية التي تمت بها عملية المثاقفة سواء أكانت بطريق التأثر الفردي أي شاعر بآخر، أو تأثر شاعر بظاهرة شعرية.

إضافة إلى ذلك يطرح بأن الجانب المضموني سيكون مادة لدراسات المثاقفة، رغم تحفظ الحداثة منهجياً وتعبيرياً على كتلة الموضوع، وإدراج النصوص تحته كفريق لا تميز بين كتاباته، وتستبدل به البحث عن الدلالة في النص وما تأخذه من تلاوين وتنويعات مباشرة أو رمزية.

التأثر بالثقافات

وهنا يطرح الكاتب بأننا نستطيع أيضاً بفعل رؤى المنهج البيئي مثلاً أن نتبين موقف الشعراء من الآخر، ممثلاً بمدينته، ورمزيتها، وإيحاءاتها، والموقف منها شعرياً.

وحول التأثر بالثقافات والرؤى الأجنبية يوضح المؤلف بأن دائرة المثاقفة تتوسع لتشمل التأثر بالأفكار والرؤى والتصورات الغربية، وسواها من نتاج ثقافات الآداب الأجنبية في مجال موسيقاها وإيقاعاتها، ورصد تنوع تلك التأثرات وتجدد مراجعها.

ويأتي ذلك، بحسب الناقد، بفعل التقارب الثقافي وتعدد منابع المثاقفة جغرافياً ولغوياً وثقافياً.

ويؤكد الصكر أن درس المثاقفة غير بعيد عهد في الدراسات النقدية والثقافية وما يجاورها أو تجاوره من الحقول المعرفية.

بالتزامن مع طرح الكاتب لموضوع المثاقفة وما يجاورها يضيف مستدلًا على عملية التأثر بالآخر، فيورد أنه جرى في التقليد الشائع في دراسات الشعرية العربية أن تتم المقارنات داخلياً، بين نصوص ذات حاضنة واحدة، رغم أن تاريخ النقد العربي ترك لنا مدونات تؤكد تأثر الشعراء بالنتاج الشعري أو الفكري للثقافات المجاورة والبعيدة التي تم التواصل معها بطريق الترجمة.

كيفيات أخرى للمثاقفة

كما ضرب أمثلة على ذلك في علاقات التأثر بين شعر المتنبي وحكم أرسطو، وما شاع في الشعر "العباسي" من تأثر بمقولات فلسفية يونانية، ومن حكم الهند وسرديات الفرس، وهو مما أتاحته الصفة "الكوزموبوليتية" للمدينة العربية وانفتاحها على الثقافات الأخرى.

ولتوضيح معنى المصطلح السابق فإنه إشارة إلى "الإيديولوجية التي تقول، بأن جميع البشر ينتمون إلى مجتمع واحد قائم على الأخلاق المشتركة"!

وهناك مسألة أخرى ذهب إليها الباحث من خلال الانتقال إلى العصور الحديثة، حيث يوضح بأننا سنشهد كيفيات أخرى للمثاقفة، تتم عبر التماس المباشر مع الآخر بالدراسة والتعلم، وبنشاط الترجمة ونشوء الحقول المتخصصة بالترجمة والأدب المقارن.

وبحسب قوله سوف تتعزز تلك الصلات بالهجرات الكبيرة التي تمت بشكل موجات لم يكن الرعيل الأول من المهاجرين العرب إلا روادها الذين فتحوا طرقها.

غير أنه يعود ليذكر بأن الهبَّة التكنولوجية، والثورة الوسائطية، أغنت المهاجرين الجدد من الشعراء والكتاب عن الاندماج الثقافي بمجتمعاتهم الجديدة، وأعادت صلتهم بأوطانهم وآدابها كما لو كانوا فيها.

دائرة البحث

سؤال آخر تم طرحه على الدكتور حاتم الصكر حول أهمية موضوع المثاقفة ووضعها في دائرة البحث.

أجاب بأن موضوعات الكتاب جاءت لتستكمل دائرة البحث عبر ما أسماه "الاستغراب الشعري"، وتكمن الأهمية في ضرورة قراءة الآخر بوعي مسقط عليه فضاءاته وثقافته.

يضيف، كما تم تقديم نموذجين للتبدل المرجعي في الأثر، وعدم الوقوف عند المؤثرات التقليدية وحاضناتها المعروفة.

وختم حديثه في هذه الجزئية قائلًا: إن الموضوع بحاجة لتوسيع وحوار، واستمداد مكثف من النصوص التي تتعلق بالمثاقفة بكونها تتجاوز التأثر والتناص كوسيلتين فنيتين، لأن المثاقفة ذات بعد رؤيوي أوسع ووعي أكثر عمقاً.

قصيدة المنفى

مسألة أخرى ذات أهمية تطرق إليها الكتاب حيث يقول الصكر، رغم أنني من الذين يلاحظون عدم تفاعل قصيدة المنفى والمهجر والمغترب مع محيطها الجديد، بالقدر الكافي الطارد للعزلة الثقافية والخوف من الآخر، والإحباطات التي عاناها كثير من شعراء تلك البيئات التي لم تفلح في دمج بعضهم بإيقاع ثقافاتها، فقد ظل خطاب بعضهم عاطفياً لا ينصاع لأعراف المعرفة، فضلًا عن غياب المشغّل والمؤثر البيئي الشعري الجديد في شعرهم الذي لم يجد لديهم مِعَداً هاضمة تتمثل ولا تجتر.

ويدلل على ذلك بأن أغلبهم يجهل لغة مغتربيه وشعرائه وسياقاته الثقافية، مستثنياً أمثلة ممتازة لشعراء ومثقفين من الشباب خاصة، يتفاعلون ثقافياً مع هذا المحيط، وتقدم قراءاتهم وتجاربهم إضافات مهمة للقصيدة العربية الحديثة.

وهنا يعتقد المؤلف أن التنوع رغم ذلك حاصل ومؤثر بفعل قوانين التراكم الكمي والتحول النوعي التالي له.

بالإضافة إلى أن الحرية التي تتيحها الحداثة لمتبنيها تسمح باستيعاب المكان، وتمثل مفرداته والتعبير عنه؛ ولو بدرجات متفاوتة وكيفيات مختلفة.

كما ترد هنا عوامل الثقافة البصرية المتاحة وتعدد طرائقها كمؤثر في التكوين الذاتي والإعداد الثقافي للشعراء.

وهنا يوضح أنه يعني بالثقافة البصرية الاندهاش بالمرئيات العيانية، بل تَمثل المكان كوجود جمالي وليس التعاطف معه، إذ قد يكون المكان معاديًا أو مفردة في عناصر رفض التعايش مع المكان الجديد، أي المنفى.

تخوف إدوارد سعيد

يواصل سرد بعض الأفكار والتفاصيل فيقول: وهنا تحضرنا لتمثيل حالة شعراء كتبوا في مدن وأماكن معينة ما يمكن تسميته: أهاجي تنفّر القارئ من وجودها.

ثم يستحضر المؤلف الكاتب الكبير إدوارد سعيد الذي تنبه إلى مسألة الكتابة في مدن وأماكن معينة، حيث اعترف بمعاناته من المكان الجديد على مستويات كثيرة.

يقول بأن تلك المستويات لها علاقة بالهوية والوجود والثقافة واللغة؛ لتصل إلى ما يسميه: حالة طباقية لها أعمق الأثر في تفكيره وعيشه داخل هذا المكان وخارج مكانه هو.

يعود الباحث ليؤكد بأن دراسة الكتاب أيضًا قامت على معالجة الوعي بالمكان المفترض للتثاقف والرؤية الشعرية التي تحتويه.

كما أنها، أي الدراسة، تتوقف عند مظاهر أخرى تتصل بالتثاقف، هي "الاستشراق" كدرس لتفحص المؤثر وقراءته معرفياً وكشف خطابه.

يقول، ورأينا في عملية "نقد النقد" كلاماً ثالثاً يبين لنا كيفية التثاقف مع المنهج وتطبيقاته الممكنة على النصوص الشعرية المقروءة بهدي تلك المناهج ورؤاها.

وبهذا المثلث المفترض: التأثر، والاستشراق، ونقد النقد، تمت مراجعة عدد من النصوص ذات الدلالة بغضِّ النظر عن تطابقها مع رؤانا وتصوراتنا.

ثم يختم الصكر بأن "تنصيص الآخر" بحسب مقترح الكتاب، عملية معرفية حضارية، فضلاً عن كونها من حيثيات التحديث في الفنون والآداب وسياقها الفني والجمالي.