الدكتور حمود العودي: مفهوم المشكلة الاجتماعية أو الجريمة الاجتماعية

السياسية - Monday 20 April 2020 الساعة 11:52 am
نيوزيمن، أ.د/ حمود صالح العودي

2- ظاهرة الجريمة كنموذج لمصداقية المفهوم والخواص

وهكذا في النهاية لا يتجسد المفهوم العلمي والموضوعي للظاهرة الاجتماعية من خلال التعريف العام السابق فحسب، بل ومن خلال الخواص الست السابقة القائمة على تحديد وتعريف مفهوم الظاهرة الاجتماعية أيا كانت وكيفما كانت وأين ما كانت، وباعتبارها الجذر الجبري لعلم الاجتماع كعلم وضعي تجريبي لا يختلف كثيراً عن بقية العلوم الطبيعية الأخرى؛ بحيث لو قمنا بإسقاط مفهوم الظاهرة الاجتماعية وخواصها السابقة إلى "أنه فعل أو سلوك بشري أيًا كانت دوافعه أو أسبابه" لما وجدنا إمكانية لإخراج أي فعل أو سلوك فردي أو جماعي خارج المفهوم والخواص السابقة؛ فالجريمة –كظاهرة اجتماعية وهي صلب موضوعنا مثلاً- هي في الأصل فعل اجتماعي يتميز بالشيئية والإلزام تحت وطأة التعود والحاجة والنسبة في التنوع والاختلاف من مجتمع لآخر ومن وقت لآخر، وبالشمول والانتشار في كل المجتمعات تقريباً وبالتلقائية التي تحدد بدايتها ونهايتها وزمانها ومكانها ودرجة انتشارها... إلخ.

>> الدكتور حمود العودي يكتب: الأسباب الاجتماعية والسياسية لظاهرة الجريمة (1)


3- مفهوم المشكلة الاجتماعية أو الجريمة الاجتماعية

من الأهمية بمكان أن ندرك مبدئياً بأن المشكلة الاجتماعية وكذلك الجريمة أو الجرائم الاجتماعية هي جزء لا يتجزأ من منظومة الظواهر الاجتماعية، وأن ما يميزها كظواهر اجتماعية هو كونها ظواهر اجتماعية سلبية وغير مستحبة في المجتمع مقارنة بما عداها من الظواهر الإيجابية كالعمل الصالح وقول الحق وفعل الخير وحسن المعاملة واحترام النظام والقانون الرسمي، إلى غير ذلك من كل ما تستقيم به حياة المجتمع السوي، وأما مفاهيم وخواص كل من المشاكل الاجتماعية والجرائم الاجتماعية فيتمثل كل منهما بالآتي:

أ- مفهوم المشكلة الاجتماعية

المشكلة الاجتماعية كظاهرة اجتماعية هي كل فعل أو سلوك اجتماعي لفرد في جماعة أو جماعة معينة تجاه أخرى غير مرغوب أو مستحب من المجتمع المحيط، بل وما قد يسبب له الأذى والضرر الفردي والجماعي، كانتشار الأوبئة واختناقات المرور وأزمات المشتقات النفطية والمياه والكهرباء والطلاق والأمية والرشوة... الخ، مع الأخذ في الاعتبار أن مثل هذه الظواهر السلبية لا تعتبر مشاكل اجتماعية إلا حينما يتجاوز معدل انتشارها في المجتمع ال10% إلى 15% حيث تتحول عند هذه النسبة من ظاهرة اجتماعية عادية وهامشية لا يخلو منها أي مجتمع وغير مهددة لقاعدة الاستقرار والتوازن الاجتماعي إلى مشكلة مهددة لقاعدة الاستقرار الاجتماعي العام، بحيث يتنبه المجتمع والدولة لأهمية معالجتها بالطرق المناسبة.

ب- مفهوم الجريمة الاجتماعية

الجريمة بالمفهوم الاجتماعي تتجاوز المفهوم القانوني لها باعتبارها الفعل المخالف لنص القانون إلى ما هو أبعد من ذلك باعتبارها النتائج اللاحقة للمشاكل الاجتماعية غير المعالجة والأكثر ضرراً بالفرد والمجتمع، والجريمة ليست فعلا قائما بذاته ومنقطعا عما سواه كما يتعامل معها القضاء والقانون الرسمي كمسؤولية فردية وحسب، بل هي بالمفهوم الاجتماعي حصيلة تراكم مقدمات وأسباب اجتماعية منظورة وغير منظورة، بحيث يمكن أن يكون المجرم أمام القانون هو مجرد ضحية لمجرم حقيقي آخر غير منظور خارج القانون بل وربما من القائمين عليه، بدءاً بالفساد السياسي العام وانتهاءً بالظلم البواح، وحتى المخالفات المرورية، وكذب الآباء على أطفالهم، لسبب أو لآخر، وهذا ما سيتضح من خلال البند الآتي الذي ننتقل فيه إلى جوهر موضوعنا المتعلق بالأسباب الاجتماعية والسياسية للجريمة، وكيفية الحد منها في بقية البنود الآتية من هذه الورقة.

... يتبع