لوحات صنعاء العملاقة... بحجم خسائر الحوثيين
السياسية - Sunday 19 April 2020 الساعة 11:55 am
خلال الأسابيع الأخيرة التي تزامنت مع معارك الحوثيين ضد اليمنيين في نهم والجوف وصرواح، انتشرت في شوارع صنعاء لوحات عملاقة تحمل صوراً لقيادات حوثية لقيت مصرعها في تلك المعارك، وإن اكتفت الصور بالإشارة إلى "معركة النفس الطويل"، وهي عبارة تستخدم عند عدم الرغبة في الكشف عن مكان مقتل أي من وجوه اللوحات الإعلانية العملاقة التي تميز بها الجماعة قيادتها التي سقطت في المعارك المستمرة، وكانت بداية استخدام هذه العبارة في ديسمبر 2017 عند رفع صور قتلى الجماعة في اشتباكاتهم مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ربما لإخفاء حجم خسائرهم يومها، وربما حرصا على استدراج من تريد استقطابهم من القيادات التي كانت موالية لصالح وحزب المؤتمر يومها، بينما تكتفي بلوحات صغيرة تحمل وجوه القتلى من المستويات الدنيا، خاصة لو كانوا من غير السلالة التي يدعي عبدالملك الانتماء إليها وأحقيتها بالتحكم باليمنيين.
(اللواء المجاهد الشهيد، العميد المجاهد الشهيد، العقيد المجاهد الشهيد، الشيخ المجاهد الشهيد) هذه غالبا الكلمات التي تسبق اسم القتيل، يليها اسم المنطقة التي ينتمي إليها، فاللوحات العملاقة خاصة بالقيادات ما فوق رتبة عقيد، أو الوجاهات الاجتماعية الرفيعة التي تسقط في معركة تمكين جماعة الحوثي الطائفية، وقد أضيفت مفردة (المجاهد) مؤخرا كصفة ملازمة لأغلب الأسماء، أحدهم قال إنها لتمييز من سقطوا وهم في الجبهات عن غيرهم، وربما تكون الكلمة مجرد خطاف صيد لبعض القيادات إلى المقابر.
كانت اللوحات التي تحمل صور ضحايا عبدالملك الحوثي وجماعته من عناصر الجماعة نفسها تنتشر في صنعاء خلال مناسباتهم لإحياء ما يسمونه بـ"يوم الشهيد"، وخلال شهر فبراير امتلأت الشوارع بصور مميزة باللون الوردي، على عكس تلك المميزة باللون الأخضر الذي يعد أحد خصائص منشورات وشعارات الحوثيين، من حملوا اللون الوردي كانوا من قتلى الحروب الستة، التي انتهت في فبراير 2010، لا أحد يعلم تحديدا ما الذي يرمز إليه اللون الوردي، ولماذا تم تخصيصه لقتلى حروب الجماعة الستة ضد الدولة، لكنه على كل حال رمزية واضحة ضد الدولة والجيش اللذين وقفا في وجه صاحب الكهف منذ إشهار تمرده المسلح في يونيو 2004.
كانت صور مؤسس الجماعة حسين الحوثي، وأخيه زعيمها الحالي قد هيمنت على شوارع ومؤسسات صنعاء خلال الشهر الأخير، وتميزت بتوحيد العبارة التي حملتها صور كل منهما، فحسين تم خفض رتبته التي وصفوها به العام الماضي "قرين القرآن" إلى رتبة أدنى وهي "شهيد القرآن"، أما عبدالملك فحملت صوره الحديثة التي نشرت للمرة الأولى عبارة تتحدث عن "الانتماء الإيماني" كشرط للفوز الذي يبشر به، وهي عبارة كانت شعارا للجماعة منذ مطلع العام الجديد، هدفت إلى تغيير (الهوية اليمنية) إلى (الهوية الإيمانية)، وهذه الأخيرة تهدف تحديدا إلى تعميم وفرض هوية الجماعة الطائفية ليس على أتباعهم فقط، وإنما على كل من يقع تحت سلطتهم، وأساسها الإيمان بمبدأ (الولاية) الذي يجري تكريسه، لإقناع اليمنيين بأن عبدالملك وجماعته يمتلكون حق التحكم الحصري بكل يمني، وأن عدم الإيمان بهذا الحق يهدم إسلام اليمني كليا، وهي فكرة وضعها الخميني بعد ثورته في فبراير 1979، وضع بها مبدأ الولاية كركن سادس للإسلام، ولا تقوم الأركان الخمسة الأخرى المعروفة لدى المسلمين، ولا تقبل من أحد منهم إلا إن آمن بالركون الأول (الولاية).
صور حسين وعبدالملك احتلت مكان صور قاسم سليماني والمهندس بعد قتل واشنطن لهما في يناير الماضي، ورفعت صور عملاقة لهما معا، مع توصيفات مختلفة جعلت منهما شهداء "المقاومة الإسلامية"، والأخطر أن تلك الصور طبعت بتوقيع دائرة التوجيه المعنوي لوزارة الدفاع التي يسيطر عليها الحوثيون، وهذا مؤشر على العقيدة القتالية التي يريدون فرضها على من اضطر للبقاء تحت هيمنتهم من أفراد الجيش اليمني.
من الملاحظ أيضا أن الجماعة لم تعد تهتم بصور صالح الصماد، بعد أن استخدمتها دعائيا لفترة من الزمن، بعد قتل طيران التحالف للصماد في إبريل 2018، وقد تعود هذه الصور للظهور في ذكرى مقتله، لكن ذلك لا يتجاوز إظهار الاهتمام المناسباتي بالرجل، فعلى العكس، هناك صور أخرى كبيرة تحمل صورا لطه المداني بالزي الشعبي منذ سنوات لم يتم إنزالها، ومنذ أواخر العام الماضي تم نشر صوره بالزي العسكري مع عنوان فيلم وثائقي عنه "ظل القائد"، يتحدث عن علاقته القوية بحسين الحوثي، وهذا يعكس درجة ونوعية الاهتمام بأي من قيادات الجماعة حسب السلالة أولا، ثم حسب المنطقة ودرجة القرب من/الولاء لأسرة عبدالملك ثانيا.
في كل الأحوال، هناك معادلة واضحة يمكن فهم سياسة نشر صور القتلى من الحوثيين، تقول:
كلما كبر حجم الصورة كان الوجه المعلق فيها من كبار قيادات الجماعة، وكلما زاد عدد القتلى من هؤلاء، زاد عدد الصور الكبيرة في شوارع صنعاء، وهذا ما حدث مؤخرا.