الأهدل... غريق أحلامه

متفرقات - Tuesday 12 March 2019 الساعة 03:35 pm
عدن، نيوزيمن:

ستة عشر يوماً ظلت جثة الشاب اليمني محمد الأهدل، في البحر الأبيض المتوسط، وبقت أحلامه تطفو على سطح البحر.. تلك الأحلام التي حملها على عاتقه بعد أن قرّر الهجرة إلى أوروبا حيث الدول التي تقبل لجوء اليمنيين.

عاش الأهدل كفاحاً كبيراً، حيث كان يعمل صحفياً رياضياً، وصار أبرز الناشطين والإعلاميين في هذا المجال، ولكنه وصل إلى قناعة أن كل هذا الكفاح ليس كفيلاً بإيصاله إلى أحلامه الكبيرة، وأن بلاده لا تستطيع أن تمنحه شيئاً إلا الموت أو الحياة البائسة..

كغيره من الشباب قرر الشاب الصحفي محمد، الذي واصل حياته بالكاد إلى أن وصل لمنتصف العشرين ومنتصف العناء.. أن يهاجر ولا يعود إلى وطنه.. أن يهاجر دون الالتفات للمخاطر والعناء الذي سيواجهه بالتهريب.

نام في صحراء موريتانيا وواجه عملية نصب في محاولته الأولة للتهريب، لأنه اختار أن يعيش بكرامة بقية حياته أو أن يواجه قدر الله.. وشاءت الأقدار أن يغرق في الجزائر، القارب الذي كان يحمل مجموعة شبان من مختلف دول عربية منكوبة من ضمنهم محمد.. تحرك القارب من ولاية وهران ولم يحتمل إلا ساعتين من الوقت حتى يقذف بالشباب وأحلامهم في البحر. كان الجميع مذعورين إلا محمد هادئاً ينتظر الموت بهدوء دون فزع بخلاف الجميع الذين كانوا معه وأنقذتهم الأقدار، إلا محمد قذفت به في رحم الموت.

تعب محمد من عنائه في الوطن، وغربته في السعودية، وذهب قاصداً الحياة ولم يكن يعلم أن الموت ينتظره في طريقه للحلم في أحد البحور البعيدة عن وطنه وأهله وأسرته..

أنا على يقين أن آخر ما فكر به محمد الأهدل قبل موته.. أمه وأسرته، أصدقاءه ومصيره..

وضع أحلامه على البحر عسى أن تواصل طريقها إلى أوروبا، ومات غارقا بهمومه ومشاكله وكل التزاماته في الحياة.

بعد ستة عشر يوما التقط الصيادون جثة محمد من ساحل في مدينة شلف الجزائرية.. هذه القصة تشرح لك مدى معاناة هذا الشاب ومدى قوته وإصراره على تحقيق أحلامه، وتوضح الأيام الصعبة التي قضاها محمد في التهريب من نصب، من جوع، من تعب، من إنهاك... من كل شيء واجهه.

بعد أن تم العثور على جثته وبالتنسيق مع سفارة اليمن في الجزائر والتي بدورها اهتمت بشكل كبير بالموضوع، واستشعروا روح المسؤولية الوطنية والإنسانية، قامت بإيصاله عبر الطيران إلى القاهرة، ومن القاهرة وصل إلى عدن بصندوق الموت، بعد أن خرج منها بكامل صحته والحياة والأحلام تشع من عينيه.

لا شيء يجعل الشباب اليمن يواجه كل هذه المتاعب إلا ما عاشوه في بلادهم التي ضاقت بهم وازدحمت بالجماعات الطائفية التي تنهب الأحلام.. بالسياسيين الذين يسرقون أعمار الشباب، بالعصابات التي تقتل كل من عارضها.

قصة الأهدل ليست إلا واحدة من كثير من القصص التي نسمعها ونعرفها ونعيشها نحن كشباب يمنيين لم يجدوا مكانا آمنا يحتفظ به بأحلامهم، وقرروا البحث عنه.. لذا يخاطر الكثير من الشباب اليمنيين للوصول إلى أحلامهم بشتى الطرق والوسائل لمحاولة إنعاش مستقبلهم الذي بدأت ملامح الموت تظهر عليه.