البحر الأحمر تحت حصار رقمي.. ابتزاز حوثي يعرقل صيانة كابلات الانترنت العالمية

السياسية - منذ ساعة و 6 دقائق
عدن، نيوزيمن، خاص:

تواصل تهديدات ميليشيا الحوثي الإرهابية إعاقة مد كابلات الإنترنت عبر البحر الأحمر، في خطوة تمثل نقطة التقاء بين النفوذ العسكري والتقني للطرف الإيراني المدعوم من الجماعة. 

وتأتي هذه التوترات الرقمية في وقت يتزايد فيه النفوذ الإيراني في المنطقة، حيث لا تنحصر طموحات الحوثيين في المعارك على الأرض، بل تمتد إلى التحكم في البنية التحتية الأساسية للإنترنت. ويشكل استخدام طهران للجماعة اليمنية كذراع إقليمي لضمان خطوط إمداد استراتيجي أكثر أمانًا، جزءًا لا يتجزأ من مخطط طويل الأجل لربط قدرات التكنولوجيا العسكرية مع طموحات النفوذ الجيوسياسي في البحر الأحمر وأفريقيا.

ومن منظور اقتصادي، فإن تعثر مد الكابلات يؤدي إلى تأخيرات كبيرة في البنية التحتية الرقمية الضرورية للدول الأفريقية واليمن، مما يقلّص من فرص الاستفادة من التحول الرقمي ويضعف التنافسية الاقتصادية لمشغّلي الاتصالات. ومن جهة أمنية، فإن تعطيل هذه الكابلات أو تحويل بعضها إلى ورقة سياسية يعطي الحوثيين (بطرف إيراني) قدرة إضافية على التأثير في تدفقات الإعلام والمعلومات العابرة للقارات.

بحسب وكالة بلومبيرج، لم يتم إكمال الجزء الجنوبي لكابل 2Africa في منطقة البحر الأحمر، والذي يربط أفريقيا بأوروبا وآسيا، بسبب ما وصفه ممثل من تحالف الشركات المشغّلة بأنه "مخاطر تشغيلية وتنظيمية وجيوسياسية". ويُعد كابل 2Africa واحدًا من أهم المشاريع، حيث تبلغ طوله حوالي 45 ألف كيلومتر، ويقوده تحالف تكنولوجي تقوده ميتا بلاتفورمز. وكذلك، تواجه شركة Google – عبر كابل "بلو رامان" – تأخيرات ملحوظة في تنفيذ مشروعها في منطقة البحر الأحمر.

بالإضافة إلى ذلك، تتعلق المشاريع المعلقة أيضًا بكابلات استراتيجية أخرى مثل India-Europe-Xpress، وSea-Me-We 6، وAfrica-1، لكن الشركات المعنية لم تقدم حتى الآن تعليقات علنية حول أسباب التأخير أو ما إذا كانت تهديدات الحوثي هي عامل أساسي في ذلك.

وكشفت بلومبيرج أن الكابلات البحرية تلعب دورًا جوهريًا في نقل أكثر من 95٪ من بيانات الإنترنت العالمية، وأن أي اختلال أو تعطّل في هذه الشبكة يمكن أن يتسبب في انقطاع كبير، خاصة للدول التي تعتمد على الاتصالات العابرة عبر هذا الممر البحري.

استغلال حوثي 

من وجهة نظر بعض المحللين، يستخدم الحوثيون تهديدهم لشبكة الكابلات كذريعة للمساومة على النفوذ والمطالب الاستراتيجية. فكما منى طهران وجماعتها في السابق باستخدام خزان صافر كورقة ابتزاز لفرض شروط سياسية، يبدو اليوم أن ملف الإنترنت البحري أصبح هدفًا مماثلًا.

وقال التقرير إن الحوثيين ربطوا أي محاولة لإصلاح الكابلات البحرية بشروط سياسية: لا يمكن السماح بإصلاح تقني مستقل في ظل الضربات الجوية الإسرائيلية على مواقعهم، وإن الأعمال الفنية لا يمكن فصْلها عن الاعتداءات التي تستهدف قادتهم أو مواقعهم العسكرية. ويبرز هذا الربط بين البعد العسكري وسيطرة الحوثي على البنية التحتية الرقمية كاستراتيجية محكمة لابتزاز المجتمع الدولي.

على الرغم من الجهود الدبلوماسية لبعض الأطراف، يبدو أن الحوثيين متمسّكون بجعل ملف الكابلات جزءًا من ملف أكبر مرتبط بمفاوضات سياسية وإقليمية: البنية التحتية الرقمية تُستخدم كأداة ضغط، وليس فقط كهدف اقتصادي بحت.

وكشف تقرير موقع إنتليجنس أونلاين أن مفاوضات سرية جرت بين سلطنة عُمان وجماعة الحوثي أواخر أكتوبر الماضي لإعادة تفعيل مشاريع الكابلات البحرية، اصطدم بعقبة الضربات الجوية الإسرائيلية التي جرت في أغسطس، مما عطّل التقدم في المحادثات. وقد اقترحت عُمان بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي إرساء آلية مراقبة مشتركة لضمان الشفافية ومنع الاستخدام العسكري للكابلات، لكن الحوثيين رفضوا ذلك، معتبرين أي مراقبة دولية تدخلاً في سيادتهم.

هذه المواقف تُظهر أن الحوثيين يرون في الكابل البنية التحتية الرقمية مجالًا لصراع سياسي وليس مجرد مشروع بنّاء، وأنهم يرفضون أي إشراف خارجي على هذه المشاريع ما لم يصب في مصلحتهم الاستراتيجية.

تداعيات اقتصادية 

ومن الناحية الاقتصادية، يؤدي تأخر مشاريع الكابلات إلى خسائر ملموسة للمستثمرين وشركات الاتصالات، التي دفعت مبالغ كبيرة للموردين دون أن تحصل على عوائد فورية. فعلى سبيل المثال، أشار آلان مولدن، مدير الأبحاث في شركة تيليجيوجرافي، إلى أن بعض الشركات مجبرة على البحث عن بدائل مؤقتة، لأن تأخر الكابلات يزيد من تكاليف التشغيل ويقلّص الربحية.

كما أن أصحاب بعض المشاريع مثل كابل EMIC-1 التابع لـ 2Africa قد اضطروا لخفض قيمة شركاتهم أو بيعها بسبب تأخر التثبيت "غير المحدد" نتيجة النزاعات في المنطقة.

من الناحية الحقوقية، يثير الأمر تساؤلات حول استخدام البنية التحتية الرقمية كأداة للابتزاز السياسي في مناطق الصراع، وإمكانية تعرض الملايين من المستخدمين لانقطاعات أو رقابة محتملة في حال ربط الحوثيون وأطراف سياسية تلك الخطوط بشروطهم.

وعلى الصعيد العالمي، يشكّل تعطل الكابلات في البحر الأحمر تهديدًا خطيرًا لسير حركة البيانات بين القارات، خاصة وأن هذا الممر البحري يُعد من الطرق الأكثر استراتيجية لنقل الإنترنت بين أوروبا وآسيا وأفريقيا. كما أن أي تعطل أو تدمير للكابلات يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار الإنترنت أو انقطاعه في بعض المناطق، مما يضاعف من فرص وقوع أزمة إنترنت عالمية في حال توسع الصراع الرقمي.