من الكهرباء إلى المياه والمرتبات.. عدن تغرق بالأزمات وسط خذلان حكومي
السياسية - منذ 3 ساعات و 11 دقيقة
في مدينةٍ كانت تُعرف يوماً بأنها درّة الجنوب وبوابة اليمن إلى البحر والعالم، يعيش اليوم سكان العاصمة عدن في ظلام دامس وعطش خانق وانقطاع رواتب مستمر منذ أشهر، في مشهدٍ يلخص حجم الانهيار المعيشي والخدمي الذي يضرب العاصمة، وسط صمت حكومي ورئاسي مطبق يثير غضباً شعبياً متصاعداً ومخاوف من انفجار إنساني وشيك.
منذ مساء الأحد، دخلت عدن مرحلة "العتمة الكاملة"، بعد خروج جميع محطات الكهرباء عن الخدمة، لتتحول المدينة إلى لوحة من السواد الممتد فوق بحرٍ متعبٍ من الصبر. ومع توقف المراوح والثلاجات والمضخات، تحوّل الليل في المدينة الساحلية إلى كابوس خانق، حيث الحرارة والرطوبة تسحق أنفاس الناس، فيما الأطفال ينامون على الأرض بحثاً عن نسمة هواء لا تأتي.
انهيار غير مسبوق
تشهد مديريات عدن انقطاعاً شاملاً للتيار الكهربائي منذ أكثر من 24 ساعة، بعد توقف جميع محطات التوليد عن العمل نتيجة نفاد الوقود، في أزمة وُصفت بأنها الأسوأ في تاريخ المدينة منذ عقود. وقالت المؤسسة العامة للكهرباء إن القدرة التوليدية بلغت "صفر ميجاوات" عند الساعة الواحدة ظهراً من يوم الاثنين، مشيرة إلى أن التيار منقطع كلياً دون فترات تشغيل منذ يوم الأحد.
وأكدت مصادر فنية أن محطة الطاقة الشمسية في عدن – التي روّجت لها السلطات كحل بديل – لا يمكنها العمل بشكل مستقل، إذ تحتاج إلى وجود توليد رئيسي من محطات “المنصورة” أو “الرئيس” لضبط تردد الشبكة وتوزيع الأحمال، ما جعلها عاجزة عن إنقاذ المدينة في أزمتها الحالية.
ويقول مهندسون في المؤسسة إن محطة "الرئيس" خرجت بالكامل عن الخدمة بعد نفاد كميات الوقود المشغلة، فيما لم تصل أي شحنات جديدة من مأرب أو حضرموت، لتغرق المدينة في ظلام غير مسبوق حتى في سنوات الحرب. وأشاروا إلى أن عدن تعتمد على قواطر وقود محدودة قادمة من حضرموت، لكنها غير كافية لتشغيل المحطات ولو لساعات، مؤكدين أن "الوضع تقنيًا وعمليًا وصل إلى نقطة الصفر."
ولم تتوقف الأزمة عند حدود العتمة فقط، إذ امتدّ تأثيرها إلى خدمات المياه والصرف الصحي التي أصبحت مهددة بالتوقف الكامل، ما ينذر بكارثة صحية وإنسانية جديدة. وحذّرت المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي في عدن من أن استمرار انقطاع الكهرباء سيؤدي إلى توقف ضخ المياه في جميع المديريات، بالإضافة إلى تعطّل محطات الصرف الصحي.
وأوضح بيان صادر عن المؤسسة أن حقول الإنتاج في بئر أحمد والروى والعريش توقفت فعلياً عن العمل بسبب عدم توفر الطاقة اللازمة لتشغيل المضخات، مشيرة إلى أنها تحاول الاعتماد على مولدات احتياطية محدودة "لكنها لا تكفي لتغطية احتياجات المدينة."
وأكدت المؤسسة أن الأزمة الحالية “تتجاوز إمكانياتها التشغيلية والفنية”، داعية الحكومة إلى توفير الوقود بشكل عاجل، ومؤكدة أن استمرار الوضع بهذا الشكل “قد يؤدي إلى كارثة بيئية وإنسانية واسعة”.
عدن تُخنق عمداً
وعلى منصات التواصل الاجتماعي، تصاعدت حالة الغضب الشعبي في عدن، حيث عبّر ناشطون وإعلاميون عن سخطهم الشديد تجاه صمت الحكومة، مؤكدين أن ما يجري في المدينة "ليس مجرد خلل فني بل إهانة ممنهجة".
الإعلامي فؤاد مرشد كتب بمرارة: "حين تعيش عدن 24 ساعة في الظلام، فهذا يعني أن هناك من قرر إهانة المدينة عمداً، أن هناك من يستمتع برؤية الناس يلهثون وراء مروحة لا تدور وماء لا يُضخ ودواء يتلف في ثلاجة لا حياة فيها. مضيفا: "محطة الطاقة الشمسية التي وعدونا بها لا تعمل إلا بإذن من الظلام! عدن الآن مصباح يتيم في آخر العمر اختنق ضوءه حتى ابتلعه العتم؛ إنها ليست أزمة كهرباء فحسب، بل أزمة كرامة."
أما الناشط أنور حسين فحمّل الحكومة والتحالف العربي مسؤولية ما وصفه بـ"الفشل المزمن في إدارة أزمة الخدمات": "عدن الوحيدة التي لم تستفد من المليارات المقدمة كمساعدات من السعودية والإمارات. نسمع عن دعم بمليارات ولا نرى سوى مزيد من الانطفاءات. الدعم يغرق في بحر الفساد الداخلي".
الكاتب جلال جميل محسن وصف ما يجري بأنه “أزمة وطن وليست مجرد أزمة كهرباء”، قائلاً: "الكهرباء في عدن تُستخدم كورقة صراع سياسي بين الأطراف، بدل أن تكون خدمة إنسانية. المواطن يعيش في جحيم الانقطاع، بينما المبررات جاهزة: الحرب، نقص الوقود، الظروف. من يفشل في إنارة مدينة، كيف له أن ينير وطناً؟".
بينما تواصل عدن غرقها في ظلامٍ دامسٍ، يزداد شعور المواطنين بأنهم منسيّون في وطنهم. فالأزمة لا تقتصر على الكهرباء والمياه، بل تمتد إلى تأخر صرف المرتبات وانعدام الخدمات الصحية وتدهور البنية التحتية، مما جعل الحياة اليومية في المدينة شبه مستحيلة.
ويطالب الأهالي بتدخل حكومي ورئاسي عاجل لإنقاذ العاصمة من الانهيار الكامل، مؤكدين أن "عدن لم تعد تحتمل المزيد من الصمت"، وأن استمرار الأزمات دون حلول حقيقية "قد يدفع الشارع إلى الانفجار".