تحليلات إسرائيلية: الحوثيون في صدارة الحسابات الأمنية بعد اتفاق غزة
السياسية - منذ ساعتان
تجمع تحليلات ومقالات صادرة عن مراكز بحث وإعلام عبرية خلال الأسابيع الماضية صورة إسرائيلية موحّدة إلى حدّ كبير حول تحول ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران من تهديد إقليمي محدود إلى عامل قلق إستراتيجي يفرض على إسرائيل وخلفائها التخطيط لخيارات مركّبة بين الاستخبارات والضربات الجوية والضغوط الاقتصادية والدبلوماسية.
وتتفق التحليلات التي قام مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية بترجمتها على أن الحوثيين عززوا خلال سنتين قدراتهم المحلية في تصنيع الطائرات المسيّرة والصواريخ طويلة المدى، مستفيدين من خبرات وتقنيات وصلت عبر شبكات تهريب إقليمية، ما وسّع نطاق استهدافهم ليشمل ليس إسرائيل فحسب بل حركة الملاحة في البحر الأحمر وموانئ دول جوار اليمن. هذا التقدّم التقني واللوجستي هو ما دفع مؤسسات عسكرية وأمنية إسرائيلية إلى توصيف الملف بأنه "تهديد استراتيجي" يتطلب جهداً مستمراً في جمع المعلومات وبناء بنوك أهداف.
تقرير حديث صادر عن معهد القدس للاستراتيجية والأمن يضع خارطة عمل إسرائيلية واضحة تتضمّن محاور متزامنة: تعميق السيطرة الاستخباراتية، تكثيف ضربات استهداف القيادات والمرافق الإنتاجية (ورش التصنيع ومخازن الذخيرة)، استهداف بنيات الطاقة لدى الحوثيين لشلّ قدراتهم التصنيعية، وفرض حصار بحري/جوي على خطوط إمداد السلاح والقطع المزدوجة الاستخدام. كما يقترح التقرير تعزيز التعاون مع قوى محلية مناهضة للحوثيين (الجيش المعترف به، قوات المقاومة، وحتى مجموعات إقليمية برية) لبناء قدرة برية بالوكالة تلحق الضرر بقدرات الحوثيين على الأرض.
وكتب باحثون ومحلّلون إسرائيليون أن توجُّه دبلوماسيًا وعسكريًا نحو تنفيذ عمليات اغتيال وتصفية قيادات عليا للحوثيين بات يُنظر إليه كأداة قابلة للتطبيق لزعزعة هياكل القرار لديهم، لكنهم يحذّرون أيضاً من الصعوبات الاستخباراتية المتزايدة مع توثّر الخلايا وعمليات التخفي. التحذير الأساسي هنا مزدوج: نجاح مثل هذه العمليات يتطلب معلومات نوعية دقيقة جداً، وفي الوقت نفسه تكثّف مثل هذه الضربات من احتمالات التصعيد والردّ المتبادل.
كما تناولت مقالات في الصحافة الإسرائيلية مسألة ادعاءات بشأن تهريب مكوّنات أسلحة كيميائية إلى اليمن. التحليلات حذّرت من احتمال استخدام مثل هذه المواد — أو على الأقل العمل على امتلاكها — لكنّها قدّرت أيضاً أن شجاعة الطرف الذي سيستخدم سلاحاً من هذا القبيل ستكون محدودة بسبب "الخطّ الأحمر" الدولي والعواقب الجسيمة. مع ذلك تُؤكد التوصيات الإسرائيلية على ضرورة توسيع جمع المعلومات الاستخباراتية حول أية مرافق قد تُستخدم لتطوير أو تخزين مواد كيميائية، وعلى ضِمن ذلك استهداف سلاسل التوريد وعرقلتها.
وتؤكد التقارير ترابط القوة العسكرية للحوثيين مع السيطرة الاقتصادية على مناطق سيطرتهم—من إدارة نقاط دخول المساعدات إلى عائدات النفط والرسوم الجمركية—ولذلك تقترح الاستراتيجية الإسرائيلية توسيع الضغوط على شبكات التمويل والتهريب التي تغذّي قدراتهم، بما في ذلك حملات عقوبات دولية واستهداف شركات شحن وكيانات مالية مُمَوِّلة. في هذا الإطار أعلنت الخزانة الأمريكية إجراء حزمة عقوبات واسعة ضد شبكات متّهمة بدعم عمليات الحوثيين البحرية واللوجستية، وهذا الإجراء يُعتبر دعماً عملياً لجهود عزل التمويل وتقليص قدرات التوريد.
وتشدّد التحليلات على أن الملف اليمني لم يعد معزولاً: طهران تستغلّ علاقاتها الوكيلة لتمكين شبكات تسليح وتهريب، فيما ثمة إشارات إلى دور صيني (تجاري وتقني) في توفير مكوّنات مزدوجة الاستخدام، وكذلك توسّع علاقات الحوثيين في القرن الأفريقي (شراكات مع خلايا محلية وقراصنة) ما أَمْنَ لهم مسارات تمويل وطرقات بحرية بديلة. لذلك يقترح المحلّلون مقاربة متعددة الأطراف تشمل تعاوناً استخباراتياً وأمنيّاً بين الولايات المتحدة وبريطانيا والخليج وإسرائيل لقطع هذه الشبكات.
وتبيّن ترجمات مركز صنعاء وجود توترات داخلية في أجهزة الحوثيين الأمنية، مع اتهامات متبادلة بالتجسس وتسريبات عن مواقع وعمليات، ما قد يضعف من تماسكهم ويُتيح لجهات خارجية استغلال هذا الانقسام عبر عمليات تجمّع استخباراتي وتمويل دعم لقوى محلية مناوئة. المحلّلون الإسرائيليون يرون في هذا الأمر "نافذة" لأدوات الضغط غير العسكرية التي يمكن أن تُقوّض قدرة الحوثيين على الإمساك بالسلطة دون خوض غزو بري مباشر.
وخلصت التحليلات إلى أن هناك تداعيات محتملة على اليمن والمنطقة على المدى القريب، منها تزايد العمليات الاستخباراتية والضربات الانتقائية، إلى جانب إجراءات مالية ودبلوماسية تستهدف شبكات التمويل والتهريب. وعلى المدى المتوسط قد تتسع نطاق العمليات ليشمل دعمًا بالوكالة لقوات برّية مناهضة للحوثيين، أو تحالفات إقليمية تجريبية، لكن هذا المسار محفوف بمخاطر تصعيد إقليمي وتبعات إنسانية خطيرة داخل اليمن. وعلى مستوى الملاحة الدولية والاقتصاد: أي تصعيد في الساحة اليمنية سيطيل أمد عدم الاستقرار في البحر الأحمر وخطوط الملاحة، مع انعكاسات على الأمن البحري العالمي وتكاليف التأمين والشحن.
وتُشير التحليلات الإسرائيلية إلى أن أيّ خيار عسكري أحادي أو حملة تصعيدية شاملة على اليمن ستفاقم الأزمة الإنسانية هناك، الأمر الذي يضع أمام صانع القرار الإسرائيلي والعالمي معضلة: كيف يجمع بين إجراءات أمنية لوقف هجمات تمسّ خطوط الملاحة والدبلوماسية من جهة، وبين تجنّب إحداث انهيار إنساني أوسع يفاقم التطرف ويولّد حالة انتقامية طويلة الأمد؟ العديد من المقالات تدعو بالتالي إلى إبقاء الطريق مفتوحاً أمام جهود دبلوماسية إقليمية—بما في ذلك الوساطة العمانية والأمم المتحدة—وتنسيق دولي لمراقبة ومنع تهريب الأسلحة وقطع التمويل.