عبدالرحمن بجاش
لم يفت الأوان بعد.. اقرأوا النعمان من جديد
إذا أردتم فالطريق الذي يؤدي إلى المستقبل الذي أخرج من الطاقة بسبب الجهل والعجز عن قراءة الواقع لغياب العقل والحكمة وأسباب أخرى كثيرة.
الآن ليس أمام من يريد استعادة اللحظة والإمساك بزمامها، ليس أمامه أكان شخصا أو قوة أو تكتلا أو حزبا إلا أن يبدأ طريق النعمان من جديد.
يستلزم الأمر نفسا طويلا لطول الطريق الذي عليه أن يسير فيه... يجب إلا نتصرف كالمريض اليمني الذي يظل سنين طوالا يتعامل مع جسده بقسوة وغياب بصيرة وعندما يهاجمه المرض ترى صاحبه متعجلا يريد الشفاء خلال أيام!!
نحن تُهنا، لأننا لم نسمع، أو لأننا لا نجيد الانصات، أو لأن اللحظة كانت لحظة نشوة قصوى تدير الرأس.. فلم نتبصر ولم نتملك بصيرة تملكها كبير كالنعمان، كبير كالبردوني.. ليغلب تيس البلاد بالشعارات لصالح تيوس الكتب إياها.
لوكان أصحاب الشعارات التي هبت كالريح من كل اتجاه على ثورة هذه البلاد شمالها وجنوبها، لو كانوا افتتحوا المبتدأ بقراءة "الأنّة" الأولى وما تبعها من أنّات للنعمان فقط لأدركوا أين تكمن العلة؟.. وبها كانوا اهتدوا إلى كيفية المعالجة واختاروا العلاج..
لكن التهم الجاهزة.. مؤامرة.. تخوين.. اتهام، ثم الاصطدام بموروث الناس أدى إلى الشطط، والشطط أدى إلى الصراخ، والصراخ أحدث ضجيجا ضاع وسطه الصوت العاقل الحكيم.
وكلما حاول أن يصحو ليقول لهم: لا تخطئوا الطريق، برز الاتهام سريعا ليخمد الحكمة والحكم.
ظل النعمان يبحث عن شق في الجدار لينفذ، لعل وعسى.. وعندما وجد جدار الشمال سميكا إلى درجة الصمم، لم يمنعه التصنيف من البحث عن شق في جدار الجنوب..
ربما أن تراكما للعقل والبصر والبصيرة تكّون هناك بفعل قراءة واعية للواقع كله… ولكن!!!
في "فارنا" وهو منتجع جميل في بلغاريا وقد ذهب اليه في العام 69 إثر حادث سير في نقيل " الكسر" بين تعز والتربة، قيل له إن فلانا موجود هنا، وفلان مسؤول حزبي كبير في عدن يومها، فعمل كل ما بوسعه ليلتقيه، تهرب صاحبنا ما استطاع، لكن النعمان ذهب ليقرع باب غرفته ويدخل ويسأله: اسمعني ما لديك؟
ماذا تريد تحقيقه؟، فظل المسؤول يتحدث ساعات، علق في نهايتها النعمان: يهي يا ابني منين أجيب لك بلاد تسع الذي في رأسك!!!!!!..
في تلك اللحظة أتخيل أنه عاد بخياله إلى كلية بلقيس وما دار فيها من صراع بين مكونات قرأت كتاب الخارج ولم تقرأ كتاب الداخل، وبين من كانوا يرون في الانطلاق من كتاب الداخل البداية الصحيحة.
كان النعمان يدرك أن الثورة في لحظة جهل قصوى تؤدي بالثوار إلى مهاوي الردى!!!.
لذلك قرر أن يبدأ بالتعليم وصولا إلى العلم.. لكنهم بجهلهم وشعاراتهم نقلوا العلة إلى واحة التعليم لينتصر الجهل برغم الكرافتة والبدلة المزهنقة.
ومع اليأس الذي يقضي على صلابة الصخر، لم ينحن، بل ظل يحاول ويحاول حتى سحبوا جوازه.. لم يثنه ذلك ولا ظلم ذوي القربى، فاستمر يبحث عن نافذة يفتحها ليدخل منها نور المستقبل.. حتى عوقب باغتيال اليد اليمنى محمد الذي سبق عصره، وقال وفعل ما لم تقله ولم تفعله الأوائل.
هل يئس النعمان أمام سطوة الجهل؟
لم ييأس، لكنه تنحى جانبا، آملا أن تنضج الظروف برغم الإحساس الذي ملأ نفسه أن الظرف يأتي دائما حسب مقدماته وتباشيره، ولما رأى أن الجهل يزحف برعاية الحكم سحب كرسيه وظل يتفرج وأيقن كما قال لنجله مصطفى: "لا تعود اليمن أصبح مستنقعا لن يجف أبدا".
نحن بحاجة إلى نعمان آخر بما يناسب روح اللحظة ليبدأ بنا من جديد.
إطلالة على المشهد تقول: ألا قوة يمكن أن تكون نعمان الذي نتمنى، حزب كبير يقتات ذكرياته، وحزب آخر جماهيريته تملأ البلاد حنب عند نقطة محددة يرفض مغادرتها.
وحزب تلاشى بتلاشي العراق، وآخر أكلته الأرضة، ومؤتمر لا رائحة له، وإصلاح عندما يتمكن فلا يعود يرى أحدا غير اقدامه.. وقوة تمنى الناس أنها ربما تكون بديلا، فتبين أنها حبيسة الماضي ببعد إقليمي لا تمتلك رؤية من الأساس.. وقبيلة تشقي مع من غلب كما كان حالها بين إمام الذهب وإمام المذهب.. وأحزاب دين مسيس تركب ناقة لا طريق لها.
أعود إلى القول إنه طالما ولم تلد اللحظة وليدها، ويبدو أنها عقمت، فلا يعود أمام من لا يزال في رؤوسهم بقية عقل إلا أن يعيدوا قراءة النعمان ويعملوا على تهيئة الظروف لنعمان جديد بروح اللحظة ومتطلباتها وعمقها الوطني والإقليمي.
الوحيد هو الرجل الذي أدرك شيئا هو أهم الأشياء، أن محيطنا وبال علينا إذا لم نصغ معه علاقة تقوم على التطمين والاطمئنان عبر رؤية تستوعب المخاوف وتزيلها بالحكمة والعقل وهو ما تمناه يوما أن تأتي طامة تأخذنا أو تأخذهم إلى أقرب محيط.
وداخل أدرك توازنات نية المتسلطين فيه لأن تظل البلاد حاكما متحكما ورعويا يدفع..
أعتقد أن الأوان لم يفت بعد…
فقط من سيتقدم ويأخذ بزمام اللحظة.
*نقلا عن موقع "خيوط"