فيصل الصوفي

فيصل الصوفي

القيامة.. عند الله وخلقه وعلم الفيزياء

Tuesday 23 March 2021 الساعة 07:30 am

لفظة القيامة ليست مثل أي لفظة.. في الإسلام هي الساعة، الحاقة، يوم الهول، ووقت البعث والنشور، والحساب والعقاب، ثم فرز المبعوثين: زمر تساق إلى الجحيم، والزمرة الصالحة تركب إلى جنة النعيم على وسائل نقل مزودة بفرش ناعمة.. وهي عند غير المسلمين قريب من هذا، وقد سموا مقدساتهم بها: صخرة يوم القيامة، كنيسة القيامة، ساعة القيامة، وهي أيضا يوم الدينونة.

الأصل أن يوم القيامة عند المسلمين من المغيبات، والقرآن يذكر أن الله وحده يعلم متى تكون، وهو وحده يجليها.. ومع ذلك يتجاوز كثير منهم هذه الوصية القرآنية، ويغلب عليها جيل المنجمين وأخبار الكذابين، وتوهم المتوهمين.. وليس فحسب في هذا العصر الذي تكثر فيه الشائعات، بل قد جرى ذلك عبر الأعصار الوسيطة والحديثة.

المؤرخ محمد بن محمد بن نفيس الأصبهاني المعروف بعماد الدين الكاتب المتوفى عام 597 هجرية، كتب كتاب السيل على الذيل، وخص بالحوادث التي جرت في بغداد.. وفي الكتاب ذكر حكاية انتشرت في زمانه بين الناس، قال: وقد أجمع المنجمون والعرافون على أن خراب العالم سيكون في منتصف شعبان القابل، حين تجتمع الكواكب الستة في الميزان، ويسبق ذلك ريح ساخنة تطوف جميع البلدان.. وصدق الناس ذلك.. وخافوا خوفا شديدا.. وتأهبوا بحفر المغارات في الجبال والسراديب في الأرض.. وأغلقوا على أولادهم فيها! فلما كانت تلك الليلة التي أشاروا إليها، واجتمعوا عليها، لم ير الناس ليلة في مثل سكونها وهدوئها، كما شهد بذلك غير واحد من الموجودين في سائر البقاع!

وقرأنا قبل سنوات دراسة- لا يحضر عنوانها في بالنا الآن- عن مصر المملوكية، وفيها أن رجل دين أخبر زبانيته أن الله سيهلك الدنيا ومن عليها يوم الجمعة القابلة، ففشت الشائعة خلال وقت قصير حتى علم بها أهل مصر كلهم، وفي أسواق القاهرة هاج الناس وماجوا، وحضروا أنفسهم للموت يوم الجمعة القابلة.. لكن غربت شمس الجمعة والدنيا كما هي، وسهر الساهرون الذاكرون، وصلوا الفجر ولا قيامة، وطلعت شمس يوم السبت والكون باق.

هذا -الذي ذكره عماد الدين الكاتب قبل ألف سنة تقريبا، وما ذكرنا من الدراسة- أرحم مما فعله غير المسلمين.. فعند المسلمين قابلية للشائعات دون أن يترتب عليها فعل، بينما عند غيرهم معتقدات وخرافات عن القيامة يبنى عليها فعل يتسم بالعنف أحيانا.. يحدث هذا في عصر ازدهرت فيه العلوم التجريبية.. والملاحظ أن مثل هذه الخرافات المعاصرة تسترجع من الماضي.. تستحضر من روزنامة الأساطير الدينية.. ثم تخضع لعملية تجديد كلما تحدث علماء الفلك عن اقتراب كوكب من كوكب، أو اقتراب القمر من الأرض، أو شرود مذنب.

كان يوم القيامة قريباً بالنسبة لجماعة الديفيديين بطلة الواقعة الشهيرة التي شاهدتها مدينة واكو الأميركية نهاية شهر أبريل 1993.. والديفيديون جماعة دينية تزعمها رجل يدعى غورش، تدعي أنها من نسل الملك داوود، رسالتها تحويل اليهود إلى مسيحيين ليشملهم خلاص يسوع، وزعيمها غورش هو المسيح المنتظر.. أعدت الجماعة عدتها لمنازلة حكومة الشيطان الفيدرالية تمهيدا ليوم القيامة الوشيك، ووقعت مواجهة مع الشرطة، ثم تحصنت بالمجمع الداوودي، وبعد حصار دام أسبوعين يئس المسيح المنتظر من القيامة، فأشعل النار داخل المجمع فقتل نفسه ومعه نحو ثمانين من أفراد الجماعة.. بعد ذلك بعامين، وتحديدا في يوم 20 مارس عام 1995 شنت طائفة (أووم شينيرينكو) الدينية اليابانية هجوماً بغاز السارين السام في مترو الانفاق بطوكيو، وأزهقت أرواح اثني عشر آدميا، وأصيب بسموم الغاز نحو أربعين.. قالت تلك الطائفة إنها فعلت ذلك لإنقاذ الناس من أهوال يوم قيام القيامة الذي موعده يوم 20 مارس وفاقاً لتقويمها الخاص.. وتحدث عالم الفلك الأميركي ألكسندرريبروف عن المذنب إيلين، الذي اكتشفه فيزيائي روسي في العام 2010.. قال عالم الفلك الأميركي إن المذنب إيلين يدور حول الشمس دورة كل عشرة آلاف سنة.. وفي كل مرة يوجد هذا المذنب على استقامة واحدة مع الأرض أو الشمس أو أي كوكب آخر يحدث زلزال مدمر، وأن هذه الظاهرة (المذنب على استقامة مع الأرض أو الشمس) ستحدث خلال شهر سبتمبر، ومن هنا شاعت شائعة قائلة إن يوم القيامة ستقع يوم الاثنين 26 سبتمبر 2011.. وفي منتصف يونيو 2020 تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة موقع تويتر، نظرية غريبة تفيد بنهاية العالم خلال الأسبوع المقبل وتحديدا يوم الأحد 21 يونيو 2020م.. كل تلك الخرافات والأساطير والتكهنات عن يوم القيامة، كان مصيرها البطلان، وإن تكررت هذا العام أو بعد ألوف السنين ليس لها إلا المصير نفسه.. هذا الكون سيبقى، ولن ينهار، ولن تقوم القيامة إلا حين يأتي موعدها.. فبناء على قوانين الفيزياء فإن شيئا من ذلك لن يحدث قبل خمسة مليارات عام من الآن.. أحد علماء الفيزياء الحاصلين على جائزة نوبل، وهو ميشو كاكو، ذكر في كتابه فيزياء المستحيل أن المتخصصين في هذا العلم رسموا سيناريو الكارثة التي ستحل بكوكبنا خلال خمسة مليارات سنة قادمة.. ستنتفخ الشمس وتتحول إلى جحيم مستعر يملأ السماء بكاملها، ملتهمة كل شيء فيها، ومع ارتفاع درجة الحرارة على الأرض ستغلي المحيطات وتتفجر مياهها. ويؤكد العلماء أن هذا السيناريو المتشائم حتمي، وفقا لقوانين الفيزياء.. ستموت الأرض في النهاية محترقة مع التهام الشمس لها.. هذا هو منطق قوانين الفيزياء.. ستحدث هذه الكارثة خلال الخمسة مليارات السنة القادمة.