محمد عبدالرحمن
الزعيم الصالح... من ثورة سبتمبر إلى ثورة ديسمبر
الرجال الذين يقودون بلدانهم في أحلك الظروف ويخرجونها من طور عنيف إلى طور فيه رأت وجهاً للحياة ببساطته وإمكانياته، هؤلاء لا يمكن أن يكون كل شيء يقف معهم ويسهل لهم مهامهم تلك، بل إنهم يواجهون عقبات وصعاباً ومتاعب.. وهذا شيء طبيعي.
واجه علي عبدالله صالح، في بداية مشواره السياسي، عقبات كبيرة في سبيل تأسيس مرحلة جديدة لليمن الشمالي، ومن أجل أن يعبر به إلى مربع الأمان الذي افتقده الشمال عقب ثورة سبتمبر المجيدة، والصراعات التي حدثت بين الجمهوريين أنفسهم وبين الملكيين أيضاً، تلك الفترة كانت نقطة سوداء في جبين الثورة السبتمبرية الخالدة.
من السلال إلى الإرياني إلى الحمدي إلى الغشمي إلى علي عبدالله صالح.. دخلت الجمهورية مرحلة جديدة من الاستقرار وثبات مبادئها وتعزيز قيمها، وارتفعت رايتها في سماء الجمهورية العربية اليمنية.
في كل مراحل حكمه لم يكن يفتر عن التذكير بعظمة سبتمبر وثورته المجيدة، الثورة التي نقلت اليمن من الظلام الماضوي إلى رحاب الحياة، وكان أغلب رجالات حكمه هم من أولئك الذين خاضوا شرف الدفاع عن اليمن وعن الثورة والجمهورية، وعملوا على تثبيت ركائز الثورة في قلب كل يمني.
على الرغم من حداثة الأنظمة في الوطن العربي في فترة سبعينيات القرن الماضي بعد الاستقلال من الاستعمار، إلا أن اليمن كان ذا خصوصية معينة، حيث كان النظام الكهنوتي يمثل الاستعمار المحلي والخارجي في أبشع صوره من التنكيل والظلم والسجون، وكان النظام الجمهوري هو سابقة لبلدان شبه الحزيرة العربية.
شكّل هذا السبق إشكالية خلقت لليمن خصومات متعددة من دول الجوار الملكي ومن الاتحاد السوفييتي قبل سقوطه، أدخل اليمن في تلك الفترة تجاذبات سياسية مدفوعة بالمصالح، كان علي عبدالله صالح الرجل الذي اتخذ سياسة التوازن ومد الأيادي إلى كل الأطراف.
في جانب الأطراف المحلية كان الرئيس صالح يخوض معركة شرسة بين متنفذي القبائل الذين يطوقون صنعاء وبين بناء الدولة الحديثة، كانت طبقة المشايخ لها تأثيرها في إعاقة قيام الدولة وذلك لتعارض مصالحها ونفوذها بين المجتمع، ولأن المجتمع اليمني يتكون من القبائل والانتماء للقبيلة هو انتماء أولي على الدولة، هذا الانتماء شكل عائقاً كبيراً في تأخير وصول الدولة إلى الوعي القبلي قبل أن تصل بالتنمية والطريق والمدرسة.
حاول علي عبدالله صالح أن يخفف ضغط نفوذ المشايخ على الدولة ومحاولة لتقليصه بشكل يضمن بقاء النظام السياسي ومنعاً لدخول البلاد مرحلة دموية وصراعاً جديداً، لكنه في كل مرة كان يواجه عوائق كبيرة منها تحجر العقلية القبلية في استيعاب ثقافة الدولة عوضاً عن ثقافة القبيلة التي تدجن التبعية والولاء الضيق للمشايخ ومصالحهم، ومن جهة أخرى كان التيار الديني الذي يمثله حزب الإصلاح يحظى بحضور جيد بين الناس نظراً لإيمانهم الفطري الذي كان يعتقد بنزاهة هذا الحزب.
لقد شكل التياران، المشايخي والديني، عقبات أمام علي عبدالله صالح في تثبيت ركيزة النظام الجمهوري والدولة، وكان يستميل كل طرف ويحاول احتواءه تحت مظلة الدولة، لعل ذلك سيحد من نفوذهم في وسط المجتمع وتبعيته لهم دون الدولة.
الوحدة التي جمعت تيار المشيخة القبلية وتيار مشيخة الدين في قالب واحد في الإطار السياسي والحزبي أوجد حالة من توحد المصالح والأهداف، ومن هذين التيارين تم صناعة حزب الإصلاح الذي كان أغلب قياداته الدينية من المقاتلين العائدين من أفغانستان، الذين قاتلوا في صفوف أسامة بن لادن وعلى رأسهم عبدالمجيد الزنداني.
ما بعد عام ألفين كان علي عبدالله صالح قد أحدث اختراقاً نسبياً لهذين التيارين، وبدأ الوعي القبلي يتقبل الدولة ووجودها، ويلمس دورها في الحياة، وبدأت الأمور تسير في الطريق الصحيح، رغم بقاء المؤثرات التي تعيق من الداخل والخارج، وكان الداخل أكثر تأثيراً وخاصة من الجماعات الدينية والمشايخية.
كانت اليمن محطة من محطات الأزمة العربية في 2011م، وكان علي عبدالله صالح أكثر صدقاً في تجنبها، قدم المبادرات والتنازلات الكبيرة في سبيل حقن الدماء، إلا أن الاستكبار الذي يمثله الإخوان والحوثي في دخول البلاد في فوضى وحروب جعلهم يرفضون أن يتم حل الأزمة بشكل سلس وسلمي.
حاولوا قتله في بيت من بيوت الله، لأنه رقم صعب التجاوز بسهولة في معادلة الدولة والجمهورية والمحبة الشعبية.
جاء التحالف العربي بعد انهيار الدولة وسقوط صنعاء ودخول ميليشا الحوثي إليها، أدرك صالح خطورة ما يحدث، وحاول أن يتجنب إراقة الدماء، وتجريف النظام الجمهوري والاجتماعي، بسبب الفكر الكهنوتي الذي عاد بمساعدة الإخوان.
قصف التحالف منزله ونجا من الموت، دبر الإخوان اغتياله قبل ذلك ونجا من الموت، فاجتمع الإخوان والحوثي على محاصرته في ديسمبر وقتله في منزله شهيداً يدافع عن شرفه وعرضه وكرامته.
بعد سقوط الدولة وانهيار النظام الجمهوري واستشهاد الرئيس صالح وتشظي المجتمع، سيأتي الإخوان والحوثي إلى الاتفاق لتقاسم اليمن والثروة والحكم والسلطة والشعب، لقد أزاحوا الرقم الصعب في حياتهم… لكن لن يكون الأمر لهم ولن يموت علي عبدالله صالح فكرة وثورة وشعباً.
ثورة 2 ديسمبر هي الولادة الجديدة للرئيس الصالح، الذي أسس بدمه ورفاقه الذين معه مرحلة جديدة للثورة من أجل الشعب وتحرير البلاد المسكونة بشبح التيارات الدينية المتطرفة والتخلف الذي تذره على عقول الناس.