عبدالفتاح الصناعي

عبدالفتاح الصناعي

تابعنى على

الأمية الفكرية الكارثة التي سبقت الانهيار

Friday 20 July 2018 الساعة 07:08 pm

تكرست الأمية الفكرية من خلال خطابنا الديني على اختلافه سواءً الرسمي عند الجماعات الإسلامية العادية، أوجماعات الإسلام السياسي، وما تحويه مناهجنا التعليمية من الابتدائي حتى الجامعات والبحوث الأكاديمية، وكذلك مؤسساتنا الثقافية التعليمية والإعلامية، وذلك ببعدها وزهدها عن أي تحديث أو إصلاحات ومراجعات فكرية جذرية جادة، والتمسك بقواعد أكاديمية تقليدية قد تجاوزها العالم، وعدم مواكبة تطورات العلوم والمعارف، والنظريات الجديدة، والأساليب التعليمية المبتكرة.

جامعاتنا ومؤسساتنا التعليمية أخرجت متعلمين لكنها لم تقدم جهدا يذكر في سبيل محو الأمية الفكرية ومكافحتها، بل عملت على تغذيتها وتطوير هذه الأمية.

مؤسساتنا الإعلامية والثقافية اهتمت بالسياسة وأهملت الفكر، قامت بأدوار تخدم السياسة واتجاهاتها المتقلبة، وغلبت العواطف والمصالح على الفكر وعلى الاهتمام بالقضايا الفكرية المصيرية.

حتى أصبح المهتمون بالشأن الفكري والمراجعات والإصلاحات الثقافية هم الفئة المهمشة بل والمتهمة والمعذبة، معذبة ومكتئبة نتيجة إحساسها وإدركها للمخاطر العظيمة التي سوف تنفجر نتيجة الأمراض والاختلالات الفكرية التي يعيشها المجتمع، ومعذبة مرة أخرى من قبل السلطات التي أهملتها، بل لربما سببت لها بعض المضايقات، وكذلك حرب وهجمات من أطراف أصولية مختلفة، وعدم وجود أي حراك ثقافي إيجابي بحوار راقٍ ونقاشات نوعية كالحراك الفكري الذي عاشته الأمة سابقا، وإنما قضايا بغاية السخف تتصدر الاهتمامات الكبرى، وتلقى كل الدعم والإشادات.

يحسب للخليج أنه تقدم أفضل من الدول العربية الأخرى، وقدم محاولات ومشاريع فكرية لابأس بها.

قدمت الكويت مشروعا ثقافيا رائعا، وله ثمرات جيدة لكنه لازال غير مكتمل ويعاني الاختلالات، وكثير من القضايا التي صغرت من حجمه ورسالته وجعلتها كالتزام تقليدي تقدمه الكويت بعيدا عن التطوير بالمحتوى والشكل بحيث يكون روحا ثقافية حية.

مكن الملك عبدالله بن سعود، رحمه الله، للمثقفين والليبراليين السعوديين من المؤسسات الإعلامية والأكاديمية، فظهرت مجلات فكريةوتوجهت ثقافية راقية، لكنها على كل حال لازلت متواضعة.

قدمت الإمارات قنوات علمية رائعة، ومجلة دبي الثقافية التي جمعت بين الكتاب العرب الكبار ، لكن المجلة ظلت توحي كأنها دار للمسنين العرب من الكتاب والمثقفين والأدباء والشعراء على صفحاتها يشخبطون ذكرياتهم، وفقدت أي نوع من إحداث صدى حقيقي، لأن الكاتب نفسه منهك وفاقد الرسالة والحيوية والجرأة.. وفي حقيقة الأمر إن كان مشروع دبي الثقافية قد أتى بثمرة على مستوى الخليجي والإماراتي، فلا أعتقد بأنه أحدث ثمرة على المستوى العربي، خصوصا المستوى اليمني.

ما ينبغي علينا أن ندركه أننا في اليمن ومصر بشكل أخص وعلى وجه السرعة، نحتاج لاستراتيجيات وطنية كبرى للإصلاح الثقافي والفكري، لأن الأمية الفكرية والأمراض الثقافية، تكون في صالح جماعات الاسلام السياسي وتستغلها كقوة وطاقها لها، بمزيد من المناصرين والاتباع. فلاتستغرب بأن ترى أوائل في الجامعات المختلفة، وأشخاصا متميزين بمجال علمي ما، وتراه مؤمنا ومقتنعا بمنطلقات وتخلفات جماعات الإسلام السياسي وافكارها الكهنوتية والخرافية، هكذا تجد طبيبا مهندسا وصحفيا وسياسيا ومثقفا؛ بسبب الركود والتراجع الثقافي الذي عاشته الأمة، نتيجة عدة أسباب وتأزمات لامجال لذكرها.

ورغم نجاح مصر سياسيا بمواجهة الأخوان، إلا أنها تستشعر مدى المخاطر الذي تعيشها، وحاجتها للإصلاح الثقافي، وقد عمل الرئيس عبدالفتاح السيسي على اعطاء اهتمام كبير بهذا ، واعلن عن نوايه لاستراتيجيات الإصلاح الثقافي والديني، ولازال الأمر لم يتبلور على الواقع حسب ما أعلن وحسب ما يحتاجه الواقع.

ظهور الجماعات المتطرفة بمختلفها، بسوريا وليبيا، هل أنتجت من فراغ؟! وإنما كان هنالك التخلف الفكري والامراض الثقافية، التي استغلت الفرصة لتعبر عن نفسها.

هكذا، فإن الدول العربية التي انهارت وظهرت فيها جماعات الاسلام السياسي وحل الإرهاب والخراب والفوضى لم يكن نتيجة مصادفة، وكذلك فإن الحل والخروج من هذه الدوامة لن يكون سياسيا وعسكريا وحسب ، بل كذلك من قبل ومن بعد ثقافيا وإعادة الاعتبارات للإصلاحات الفكرية والثقافية .