في مستشفياتنا، سيان إن غبنا عنها أو عدنا، نغيب ونعود ونلقاها كما هي، بل أسوأ مما تركناها، ولا يطرأ عليها أي متغير للأفضل بل على العكس للأسوأ للأسف، مجرد سلخانات يُذبح فيها المرضى مع سبق الإصرار والترصد والتوحش، وانعدام الضمير الطبي والمهني والإنساني.
تعامُل مستشفياتنا وأطبائنا وممرضينا معنا يوصل لنا إيحاءً أننا نرتكب ذنبًا كبيرًا حين نمرض عند هؤلاء القساة الغلاظ، وكأننا نرتكب إثمًا حين نمر بوعكة صحية عند من لا ضمير في جوفهم، أو كأننا نرتكب موبقات الدنيا حين تترنح عافيتنا قليلًا عند من ضاعت إنسانيتهم وآلت للسقوط منذ زمن طويل.
ما زالت المستشفيات تعاني موتًا مطبقًا لضمائر من يعملون فيها سواءً أطباء أو ممرضين أو حتى إداريين، إلا من رحم ربي.
لن أتطرق هنا للسلبيات الكثيرة التي تحدث في مجال الطب، وما أكثرها وأبشعها، لأنها تحتاج لمجلدات كثيرة لتفنيدها، وقد تحدث عنها الكثير إنما لا استجابة من جهات الاختصاص وكأننا نتحدث مع صم بكم لا يفقهون ولا يقرأون ولا يسمعون، لكني سأتحدث عن جزئية واحدة لمستها ويتعايش معها الكثير من المرضى الذين لا حول لهم ولا قوة إلا الصبر العظيم على ما ابتلاهم الله في واقعنا المرير هذا. سأتطرق لجانب المعاملة التي تحولت لتوحش مفرط عند من يعملون في الطب الذين صاروا غلاظًا حدادًا شدادًا يجلدون المريض بسوء تعاملهم قبل أن يسلخوا جيبه، يلهثون فقط بعد المادة بسعار مخيف، ليظل المريض يركض بعد عافيته التي لا يجدها ويظل مرضهم وأنينهم "سيد الموقف".
فما إن تلج قدماك باب مستشفى إلا وتنقبض روحك بسبب الاستهتار بمعاناة المريض واحتقار له ومعاملة سيئة من أناس كأنهم يعملون في سلخانة وليس في مجال الطب يُفترض أن يكون إنسانيًا قبل كل شيء.
قبل الحرب، صحيح أن الإهمال والمادة كانا يطغيان على تعاملات المستشفيات مع المرضى، إنما على الأقل كان هناك بعض من تعامُل إنساني، نوعا ما، تشعر معه أنك إنسان، أما الآن ومع سعار الحرب صار التوحش والغلظة والقسوة هو ما يطغى على المستشفيات وكأننا لسنا بشر عندهم، وانعدمت الآدمية من المستشفيات، وأضافوا عبئا ثقيلًا على المرضى المساكين بجانب معاناتهم من مرضهم الذي فقدوا به عافيتهم وأموالهم وفقدوا إنسانيتهم عند من لا إنسانية ولا رحمة عندهم . فضاعت الإنسانية في أروقة سلخانة المستشفيات.