ماجد زايد
حـاشـد وغاية النضال.. درس عابر للجماهير الـتواقـة
في السياق الزمني، منذ عرفت البرلماني والحقوقي والمناضل اليمني القاضي أحمد سيف حاشد، وأنا أكتب عنه، وأسرد تفاعلاتنا اليومية مع قضاياه ونضالاته، كان ذلك صادقًا ونابعًا من الإخلاص والثقة، عن رجل لو سارت الجماهير خلفه بإيمانها المطلق لتحررت فعلًا من قعر الجحيم الذي صارت فيه، رجل ومناضل استثنائي لم يحز من الجماهيرية الحقة ما يستحقه طيلة مسيرته الخالدة، رجل لا يهتم بهذا ولا يلتفت إليه، لكنه واقع المجتمعات الجبانة والذائبة في أسوأ أزمنة الديكتاتوريات المتسلطة عليها، وهنا تأتي عبارة الديكتاتورية وغاية مواجهتها بشتى أشكالها السلطوية لتصبح عاملًا مشتركًا في سيرة المناضل المعاصر حاشد منذ سنواته الأولى في النضال وتصدر الأفكار التحررية للشعوب..
حاشد بعد أن انتهى من كتابة مذكراته، لم يعد مباليًا بحياته ومصيرها، هذا ما أشعر به تجاه تفاعلاته النضالية والبالغة في التأثير، خصوصًا في ظل اليأس الشعبي العام من الوصول لحل جذري ينهي المأساة ويعيد الحياة لأرواح البشر المقهورين، حاشد ومن مذكراته -التي ستطبع بلا شك-، تتمحور حول فكرة النضال الأبدي في سياق الحياة البشرية المغامرة ضد نزعة استحواذ الأقلية على السلطة، الأقلية أيًا كانت، فردًا أو عائلة أو عصبة أو عشيرة أو حزبًا. وهي تضحية نادرة في حياة الشعوب لتذكيرهم بخلاصة النضال من أجل الديمقراطية التي تعني حكم الأكثرية المحترمة لحقوق الأقلية. وهو التعريف الذي يتعارض تمامًا مع غاية الدكتاتوريات التي تقمع الأكثرية بالقوة وتلزمها الطاعة والولاء، بمعنى أن الديكتاتورية ليست نظامًا للحقوق، بينما الديمقراطية نظامًا حقوقيًا لضمان الحقوق، وفي الحقيقة معظم الناس لا يهمهم من يحكم، بقدر ما يهمهم كيف يحكم وماذا يقدم، ومن ناحية أخرى، قد لا تكون الانتخابات العابرة شرعية وجودية وشعبية وفق نتائج الانتخابات، لأن الشرعية القطعية، مثل الحكم القطعي، تستمد وتتحقق من خلال الأداء التنفيذي وتحقيق المطالب والوعود، وهنا تأتي دائمًا شرعية حاشد الشعبوية والبرلمانية، شرعية تصدر النضال من أجل الناس والأهداف النبيلة، هذا النضال تصاعد كثيرًا بعد تزايد عقدة اليأس من أي مطالب ووعود يمكن لسلطة الواقع تحقيقها، وهنا بإمكانكم مقارنة الأمر ببقية البرلمانيين الصامتين أو الخائفين أو المنساقين خلف وعود الخيانة والتمصلح لمن اختاروهم ورشحوهم..! حاشد من الناحية الحقوقية، ولضمان حقوق جميع المواطنين بمن فيهم الأقلية والأغلبية، يناضل ضد حقيقة متكررة تتجسد في حكم الأشخاص المستحوذين على السلطة والثروة والدين، الأشخاص أيًا كانوا، وهذا أكسبه عداوات جميع المتعاقبين على السلطة، هذا النضال في غايته الوجودية طيلة حياته يهدف للوصول لفكرة تحقيق القوانين والدولة ولو كان الثمن حياته..
والدولة بتعريف د. نبيل ياسين (المركز الديمقراطي العربي) هي نتاج اللغة، وهذه الفكرة مستمدة أصلًا من هوبز الذي يعتبر الدولة نتاج اللغة ولذلك لا تنشئ الحيوانات دولة. الدولة نتاج التعبير، ولذلك تكون حرية التعبير هي الدولة بمعنى آخر. ولا توجد في الديكتاتورية غير لغة واحدة بصوت واحد، بينما تتمتع الديمقراطية بلغة واحدة وعدة أصوات. ولا يمكن ضبط إيقاع هذه الأصوات المتعددة سوى بحكم القانون والدولة، وإذا كانت الديكتاتورية تختصر الأمة في شخص والدولة في سلطة ذات الشخص، فإن الديمقراطية تعني تسيّد الشعب من خلال سيادة الدولة عبر العقد الاجتماعي الذي يحقق كما يقول روسو: الإرادة العامة.. وهي إرادة الله في الأرض، ومن ناحية متصلة، ليس هناك إمكانية لقيام مجتمع مدني في ظل سلطة الأشخاص التي تتفوق على سلطة الدستور. بما يعني أن الدكتاتورية تضم المجتمع المدني إلى سلطتها وتحوله إلى ذراع من أذرع سلطتها خاصة جماعة المثقفين والمنظمات المدنية والاتحادات والنقابات، وهذا ما يبرر غياب كل الأصوات المدنية في فتراتها..
في الجهة المقابلة، ظهر مبدأ السيادة الشعبية تدريجيًا ليحل محل سيادة الشخص المطلقة.
يحدث هذا في حال تمادي الفرد المتحكم بالغوغائية السلطوية تجاه الشعب، وهذا ما يؤدي في فترات الكساد السياسي لظهور مناضلين من السياسيين والمثقفين الصادقين.. "لاري ديموند" في كتاب الثورة الديمقراطية وهي دراسة عن المجتمع المدني والنضال من أجل الديمقراطية، يقول: يوما بعد يوم تتحول الثورة الديمقراطية إلى ثورة شعبية شاملة، وفيها تتحول غاية الديمقراطية إلى نظام سياسي يقوم على الأخلاقيات الحقوقية والضميرية التي تصبح عرفًا دستورًا شعبيًا شاملًا..
وهذا ما نحن على مشارفه.. وهو خلاصة أحمد سيف حاشد، بصورته المنطقية، الخلاصة التي يمثل فيها سيادة الشعب المستمدة من تراكم الديكتاتوريات الغوغائية المستحوذة على مصير الدولة، وربما بأن نموذجه النضالي الطويل هو الحل الأخير.
القاضي أحمد سيف حاشد، ربنا يحفظه ويسلمه ويطول لنا بعمره، لا أدري لماذا يتراءى خياله في رأسي كلما سمعت عن أخبار السقوط السلطوي المتكرر في هذا البلد، أتذكره دائمًا في ثنايا الخوف، وأستحضره في كل مرة بينما يقول لنا: الموت هنا.. ما أسهل الموت في بلد الموت..! بينما يقول أيضًا: يا ولدي، يا ماجد، بهذا البلد الموت أرحم من قسوة الجوع والخوف والدمار.. أيعيش الإنسان في حالة توتر دائم، وهو يقف وجهًا لوجه أمام الدمار والموت والتعذيب والوحدة.. هذا لا يمكن..!
وفي مذكراته وذكرياته ومنشوراته عن نفسه، ستجدونه يعصر القلوب الخائفة بينما يقول: رباه! أيّ نعمة كبيرة وهبتنيها إذ لا أخاف الموت ولا أخضع لتهديده.. ربنا يحميه، هذه خالص أمنياتي في حياتي وآخرها..
من صفحة الكاتب على الفيسبوك