أحمد سيف حاشد

أحمد سيف حاشد

تابعنى على

معركة مع الموت وحرب مع ألف لعنة..!!

Wednesday 26 July 2023 الساعة 07:57 pm

هوّن على أمسنا يا أبي؛ فيومنا مغموماً ومكروباً ومنهوباً إلى آخره؟! 

أي محيط يتسع وجع الحديث؟! طفح الكيل، وضاقت احوالنا، وما عاد في النفس مخبأ أو متسع.

“بلغ السيل الزبا”، وما عاد للأسد عرين ولا عاد للنسر قمم.. بلغت أوجاعنا أعنانها.. أوجاع الروح والجسد؟!! 

فادح يا أبي أن نقارن بين وجع أمس حسير، ويومنا البالغ فيه الوجع أرجاء المحيط.

 ما من لغة قادرة على وصف ما نشهده.. تجتاحنا نوازل ومصائب وخيبات كبار دون فُسح أو مهل.

ما حدث في أمسنا يا أبي تجاوزناه بعد عام ونيف.. أمّا ما يحدث اليوم فلن ننساه، ولن تنسينا إياه حتّى أهوال يوم القيامة.

يومنا مجحفل بألف حرب ورعب، وبشاعة ما كانت لها في البال حسبان، بل ما كانت تخطر على بال.

 ظلمات فوق ظلمات، وظلم مهول لا تقدر عليه الجبال الراسيات.. مأساتنا في الأمس وكل مآسي ذلك العهد يا أبي، تبدو بحجم رأس دبوس في محيط بلا حدود.. محيط من عذاب وموت وبشاعة.

 كيف لنا أن نقارن يا أبي بين محيط تمادى في المدى، ورأس دبوس صغير؟!!

نحن يا أبي في زمن تعاظمت نوازله، وفاقت فيه بشاعته كل تصور وخيال، وما كان في الأمس مصابٌ مقدورٌ عليه بممكن أو حتّى بمعركة مع المستحيل، بات اليومَ كوارث تفوقُ ما تحتمله الجبالُ، حتّى وإن كانت من حديد، لقد جمع لنا العالمُ كل قبحه ودمامته، وصبَّ فوق رؤوسنا كلَّ فساده وبشاعته.. عدنا إلى مجاهل جهلنا، وأعادونا إلى ما قبل الألف عام.

حروب متعددة تشُبُّ وتنشب هنا وهناك بألف نهاب وأميرِ حرب، ومعهم ومن خلفهم رعاتها وممولوها السمان.. كل ضبع يقضم منها ما استطاع.. “السعيدة” باتت محل أطماع كثار.. 

صار السؤال المعجون بالوجع كالخيل يرفس داخلي: أين اليمن؟!

 يأتي الجواب صادماً: “كانت هنا..!!”.

تسع سنوات عجاف، ونسير نحو العاشرة، وعلى أرزاقنا اليأس يطبق قبضتيه.. ولا نعرف إلى متى..!! قالوا “طلاق يا الراتب طلاق”.

 تسع سنوات عجاف أكل فيها شعبُنا دواخلَه، والنار تأكل من تريد.. لا فرار، ولا نجاة.. كل النحوس تكالبت، واللعنات تحشد جيشها، حتى تبدى هولها أكبر من قدر.

مـأساتنا بعمقٍ سحيق، دون قاع أو قرار.. مأساتنا أكبر من محيط.. قطّاع الطرق يا ابي قطعوا الطرق عرضاً وطولا.. تمددوا في شراييننا، واستباحوا كل الحقوق.. الضباع أكلت أطرافنا وأكبادنا.

تسع عجاف، وفوقها لا بر ولا بحر لنا.. لا مواني لا سفن لا أشرعة.. لا مد ولا جزر ولا مدد.. في مقتل أصابونا كمداً وقهرا.. استولوا على حاضرنا الجريح، ومستقبل أجيالنا، ولك أن تتخيَّلَ حجم الكارثة.

 وأكثر من كارثة الادعاء إننا انتصرنا.. ما أسفه هذا الادعاء، وما كل هذا الخبل؟!!

أكثر من مليون ونصف المليون موظفٍ ومتقاعدٍ، ومستفيدٍ منهوبي الرواتب والحقوق، يعيلون أكثر من عشرة ملايين نسمة تقطعت بهم السبل، وأسباب العيش الكريم.. اليوم باتوا معدمين.

 لطالما جرّت محاطب الحرب إليها معدمين ومفقرين.. جاءت بهم إليها مرغمين.. باسم الوطن بات الوطن يبحث عن وطن، فلا يجد إلا سرابا أو هُلام.

تم هدم الدولة، وكل ما له صلة بها.. دستورها وقوانينها.. إدارة ومؤسسات.

 عملتنا تدهورت، وصارت كأوراق الشجر في فصل الخريف.. جوع وجهل ومرض وأوبئة.. كل المخافات عندنا على قفا من يشيل.

 رباه كم فتِكت بنا هذه الحربُ الضروس.. من فوقنا توحش، وما حولنا متوحِّش.. عدنا إلى ما قبل عهد الألف عام.

شعبنا المُفقر يقتل بعضه بعضاً.. تقسيم وتقاسم وتمزيق.. شعب يموت وأرضه تُغتصب بقهر وغلبة.. قيمٌ مُهدرة، وحقوق شعب تستباح.. نهبٌ وانهيار وافتراس.. ما حدث كان أكبر من بشع ومرعب.. ما حدث كان أكبر من قدر..!!!

* من صفحة الكاتب على الفيسبوك