ليست زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي لأبوظبي واللقاءات التي عقدها مع الشيخ محمّد بن زايد وليّ العهد في الإمارات، سوى دليل على وجود تضامن عربي مبني على مصالح مشتركة بين أطراف عدّة.
يجمع بين هذه الأطراف الانتماء إلى عالم المستقبل، الخالي من العقد، من جهة والقدرة على التعاطي بشكل مستقلّ مع الإدارة الأميركيةّة من جهة أخرى.
لعبت الإمارات، على سبيل المثال وليس الحصر، دوراً محورياً في دعم ثوة الشعب المصري في 30 يونيو 2013 من أجل التخلّص من نظام الإخوان المسلمين.
لم يكن هذا النظام الإخواني كفيلاً بالقضاء نهائياً على مصر فحسب، بل كان أيضاً جسراً للتغلغل الإيراني فيها.
أكثر من ذلك، شكّل الدعم العربي الذي توفّر عبر الإمارات للمصريين الذين نزلوا إلى الشارع بالملايين تحدّياً مباشراً وواضحاً للإخوان وللولايات المتّحدة في زمن إدارة باراك أوباما.
كانت تلك الإدارة تدعم في العمق نظام الإخوان في مصر، كما كانت تبارك تحرّكهم في كلّ منطقة من العالم من منطلق أيديولوجي بحت.
لا يشبه هذا المنطلق الأيديولوجي لدى إدارة أوباما سوى ذلك الذي جعلها تدعم نظام الملالي في إيران.
ثمّة إعجاب ليس بعده إعجاب بإيران والإيرانيين لدى أركان إدارة أوباما وثمّة تعاطف مع الإخوان المسلمين المتحالفين مع «الجمهوريّة الاسلاميّة» في العلن أحياناً، كما الحال في قطاع غزّة، وفي السرّ في معظم الأحيان.
تؤكّد زيارة السيسي التي جاءت مع وجود ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة في أبوظبي، أنّ لعبة إيران مكشوفة من العرب الواعين لما يدور في المنطقة.
لا تنطلي اللعبة التي تمارسها «الجمهوريّة الإسلاميةّ» على هؤلاء. تقوم هذه اللعبة على أخذ الدول العربيّة بالمفرّق.
ليس صدفة أن يكون العدوان الأول للحوثيين على الإمارات جاء مع عودة ثلاثة ديبلوماسيين إيرانيين إلى جدّة حيث مقرّ منظمة التعاون الإسلامي.
ففيما كانت إيران توجّه، عبر الحوثيين، صواريخها وطائراتها المسيّرة في اتجاه أبوظبي ومطارها، كانت «الجمهوريّة الاسلاميّة» تعيد ثلاثة من ديبلوماسييها إلى السعودية.
وصل هؤلاء إلى جدة لمباشرة أعمالهم في المندوبية الدائمة لإيران لدى منظمة التعاون الإسلامي، بعد قطيعة استمرت ست سنوات بسبب أعمال الاعتداء والشغب الإيرانية على مقر سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد في يناير من العام 2016.
هل صدفة انتظار طهران ست سنوات بالتمام والكمال كي تعيد ديبلوماسيين إلى جدّة؟ الأكيد أن التوقيت لم يأتِ صدفة.
تنفتح إيران على السعودية وتهاجم الإمارات بالصواريخ والطائرات المسيّرة.
أكثر من ذلك، شنت هجوماً ثانياً على الإمارات وهي الآن تهدد وتتوعّد، بواسطة الحوثيين، الذين تحوّلوا مع الوقت إلى مجرّد أداة إيرانية.
على مَن تضحك إيران التي تعتقد أن لا وجود لنواة عربيّة صلبة تعرف تماماً ما على المحكّ في اليمن الذي صار جزء منه قاعدة صواريخ تستخدم في ابتزاز دول مجلس التعاون في الخليج والإدارة الأميركية في الوقت ذاته.
جاءت زيارة الرئيس السيسي لأبوظبي، وهي زيارة ممتازة بكل المقاييس، لتؤكّد أن عامل الثقة قائم بين مصر ودولة الإمارات وذلك على أعلى المستويات.
احتفل محمّد بن زايد بالرئيس المصري، إن من ناحية المكان الذي استقبله فيه (قصر الوطن) أو من ناحية لغة الجسد التي كشفت توافقاً بينهما.
ما هو مهمّ الآن أنّ الوضع اليمني دخل مرحلة جديدة وذلك في ضوء الانتصارات التي حقّقتها قوات العمالقة على الحوثيين.
لم تكتفِ هذه القوّات، وهي في معظمها جنوبيّة، بتحرير محافظة شبوة من الحوثيين، بل حقّقت اختراقات في محافظة مأرب، وهي محافظة شماليّة أصلاً.
كانت إيران تطمح إلى تمكين الحوثيين من الاستيلاء على مدينة مأرب كي تكتمل الأسس التي يقوم عليها مشروع بناء كيان قابل للحياة في شمال اليمن.
يفترض بهذا المشروع أن يمتدّ من مدينة مأرب الداخليّة إلى ميناء الحديدة على البحر الأحمر، مروراً بصنعاء.
في ضوء تحرّك «العمالقة»، لم يعد سقوط مدينة مأرب مسألة وقت.
على العكس من ذلك، خفّ الضغط على مأرب التي كان الحوثيون يحاصرونها من كلّ الجهات في ظلّ تخاذل قوات ما يسمّى «الشرعية» في اليمن.
يفسّر هذا التحوّل الكبير العمل الجنوني المتمثل في شن عدوان على دولة الإمارات.
لكنّ هذا التحوّل يشير، في الوقت ذاته، إلى أنّه في الإمكان هزيمة المشروع الحوثي الذي تعرّض في الماضي لنكسات في الجنوب عندما اضطرت الميليشيات التابعة له إلى الانسحاب من عدن ومن ميناء المخا الاستراتيجي الذي يتحكّم بمضيق باب المندب، مدخل البحر الأحمر.
طار صواب الحوثيين وطار صواب الجهة التي تدعمهم وتراهن عليهم.
ما شهدته شبوة وما تلى تطهيرها من الحوثيين من اختراقات للعمالقة في محافظة مأرب يشكّلان تطوراً في غاية الأهمّية على الصعيدين اليمني والخليجي.
في هذا السياق، جاءت زيارة الرئيس المصري لأبوظبي.
من اللافت تجديد السيسي الإعراب عن «تضامن مصر حكومة وشعباً مع دولة الإمارات الشقيقة جراء الحادث الإرهابي الأخير الذي أسفر عن وفاة وإصابة عدد من المدنيين»، مؤكداً «إدانة مصر لأي عمل إرهابي تقترفه ميليشيا الحوثي لاستهداف أمن دولة الإمارات الشقيقة ومواطنيها واستقرارهم».
كان لافتاً أيضاً، إعلان مصر عن «دعم كل ما تتخذه الإمارات من إجراءات للتعامل مع أي عمل إرهابي يستهدفها، وذلك في إطار موقف مصر الراسخ من دعم أمن دولة الإمارات العربية المتحدة واستقرارها، والارتباط الوثيق بين الأمن القومي المصري وأمن الإمارات الشقيقة».
لم تكن زيارة الرئيس المصري لأبوظبي سوى تأكيد للفشل الإيراني في التعاطي مع الدول العربيّة بالمفرّق.
هناك قيادات في دول عربيّة تعرف خطورة هذه اللعبة وهذا الرهان الإيرانيين وهي مستعدة لمواجهتهما.
تندرج زيارة السيسي لأبوظبي في هذه المرحلة الدقيقة بالذات في هذا السياق لا أكثر ولا أقلّ.
*نقلا عن: صحيفة "الرأي" الكويتية