قبل كلّ شيء، يكشف العمل الإرهابي، الذي استهدف دولة الإمارات العربيّة المتحّدة، حجم الضربة التي تعرّض لها الحوثيون (جماعة أنصار الله) في محافظتي شبوة ومأرب اليمنيّتين.
إنّها في الواقع ضربة قويّة للمشروع الإيراني في اليمن.
استطاعت قوات العمالقة، وهي في أكثريتها جنوبيّة، إحداث تغيير كبير على الأرض بعدما كانت مدينة مأرب نفسها على وشك السقوط في يد الحوثيين، أي في يد إيران.
الأكيد أن سلاح الجوّ التابع للتحالف العربي لعب دوراً كبيراً في هزيمة الحوثيين في شبوة وبدأ تحقيق اختراقات في محافظة مأرب نفسها.
بدل أن تفكّر «جماعة أنصار الله» في كيفية البحث عن مخرج سلمي للوضع الذي أوصلت إليه اليمن، أكّدت عبر الهجوم الذي شنته بواسطة طائرات مسيّرة وصواريخ على منطقة المصفّح الصناعية وعلى مطار أبوظبي أنّها مصرّة على التصعيد.
أكثر من ذلك، يبدو أنّها ما زالت تعتقد أن المشروع الإيراني في اليمن ما زال حيّاً يرزق.
معنى ذلك أنّ في الإمكان تحويل المنطقة الممتدة من مأرب إلى ميناء الحديدة على البحر الأحمر، مروراً بصنعاء، إلى كيان قابل للحياة يكون قاعدة صواريخ وطائرات مسيّرة لـ«الجمهوريّة الإسلاميّة».
لعلّ أهمّ ما يشير إليه العمل الإرهابي الذي استهدف دولة الإمارات، أن نظام الملالي لا يستطيع تغيير طبيعته العدوانيّة. يستطيع التظاهر بالاعتدال في هذا المكان أو ذاك عن طريق إعادة الحوار مع المملكة العربيّة السعوديّة مثلاً.
ولكن يبقى في العمق، أننا أمام نظام في أزمة داخلية دائمة.
يحتاج النظام الإيراني في استمرار إلى تصدير أزمته الى خارج حدوده بطريقة أو بأخرى... بما في ذلك إلى الإمارات، الدولة المسالمة التي تبحث عن صفر مشاكل مع كلّ دول العالم، بما في ذلك «الجمهوريّة الإسلاميّة» الإيرانية.
قبل أسابع قليلة، كان الشيخ طحنون بن زايد مستشار الأمن الوطني الإماراتي في طهران.
يبدو واضحاً أن الإيراني يقول شيئاً في العلن ويعمل عكس ما يقوله في الخفاء.
لدى استعادة التطورات التي شهدها اليمن منذ استيلاء الحوثيين على صنعاء في 21 سبتمبر 2014، يتبيّن بوضوح ليس بعده وضوح، انحسار المشروع الإيراني في اتجاه إقامة كيان سياسي قابل للحياة في شمال اليمن.
في البداية تمدّد الحوثيون في اتجاه الجنوب.. كانوا في عدن..
لم يخرجوا منها إلّا بالقوّة.
في فترة لاحقة حاولوا تكريس سيطرتهم على ميناء المخا الذي يسيطر على باب المندب الاستراتيجي.
فشلوا في ذلك أيضاً.. معروف من وراء فشلهم.
يفترض النظر إلى استهداف الإمارات، بما يمثلّه هذا الاستهداف من تطور خطير على الصعيد الإقليمي، من زاويتين:
الأولى تتعلّق بالحوثيين أنفسهم الذين لا يستطيعون الانخراط في مشروع سلام.
يؤكّد ذلك رفضهم المبادرة السعوديّة التي أطلقت في مارس الماضي.
رفض هؤلاء المبادرة عن طريق المندوب السامي الإيراني في صنعاء حسن ايرلو الذي توفّي قبل نحو شهر إثر إصابته بكورونا.
سارع ايرلو وقتذاك إلى إطلاق تغريدة قال فيها: «مبادرة السعوديّة في اليمن مشروع حرب دائمة وجرائم حرب وليست إنهاء للحرب (...)».
لم يكن أمام الحوثيين سوى الانصياع لإرادة ايرلو الذي كان ضابطاً في «الحرس الثوري» الإيراني.
يشير ذلك بكلّ بساطة، إلى انّ «الحرس الثوري» صاحب القرار والكلمة الأولى والأخيرة لدى الحوثيين.
كلّ ما فعله المندوب السامي الإيراني في صنعاء، الذي سيخلفه مندوب سامي آخر قريبا، أن قطع الطريق على أي تجاوب حوثي مع المبادرة السعوديّة ومع أيّ وساطة كان يمكن أن تقوم بها سلطنة عُمان أو أي طرف آخر يمتلك هامشا محدّدا يسمح له بإقناع الحوثيين باعتماد الاعتدال والواقعيّة بدل التهوّر.
أمّا الزاوية الأخرى التي يمكن النظر من خلالها إلى استهداف الإمارات، فهي متعلّقة بإيران نفسها.
بلجوء «الجمهوريّة الإسلامية» إلى التصعيد مع دولة الإمارات، يتبيّن أن كل ما تقوم به مناورات يصبّ في خدمة مشروعها التوسّعي، أكان ذلك في العراق أو سورية أو لبنان أو اليمن... أو في مفاوضات فيينا.
مؤسف أن إيران تظهر يوما بعد يوم أنّ ليس في استطاعتها أن تكون دولة طبيعيّة من بين دول المنطقة وأن تقيم علاقات حسنة مع جيرانها.
جاء العدوان الإيراني على الإمارات، وهو عدوان يستخدم الأداة الحوثية، ليثبت أن المشكلة مع إيران ليس في برنامجها النووي بمقدار ما انّها في سلوكها خارج حدودها، أي في ميليشياتها المذهبيّة وصواريخها وطائراتها المسيّرة.
يكفي ما فعلته إيران في اليمن للتأكّد من ذلك وللتأكّد خصوصا من أنّ كل ما تريده هو تكريس دورها كقوة إقليمية مهيمنة... حتّى لو كان ذلك على حساب دول عربيّة معيّنة وعلى حساب خراب هذه الدول.
ففي، اليمن على سبيل المثال، يمكن التساؤل ما هو المشروع الإيراني خارج إطار تحويل جزء من أرضه إلى قاعدة صواريخ ومسيّرات ايرانيّة تستخدم في ابتزاز دول المنطقة والعالم؟
ليس لدى الحوثيين أي مشروع ذي طابع حضاري لليمن.
أخطر ما في الأمر ما آل إليه وضع التعليم في اليمن.. مئات آلاف الأولاد صاروا في الشارع.
إذا تعلّموا شيئا فهم يتعلّمون خرافات وشعارات لا تطعم خبزا.
بدل أن يكون ثمة مستقبل لهؤلاء الأولاد، يزجّ بهم الحوثيون في أتون حروب لا طائل منها في ظلّ شعارات تشجّع على السير إلى أبعد حدود في الانتماء إلى ثقافة الموت.
يبقى في النهاية أن دولة الإمارات العربيّة المتحدة ستثبت، كما العادة، أنّها ليست دولة خاضعة للابتزاز.
ستردّ الإمارات بالطريقة المناسبة وهي تمتلك أدوات الردّ في بلد لم تقدّم له في يوم من الأيّام سوى الخير.
من يتذكّر أنّ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، كان وراء إعادة بناء سدّ مأرب الذي افتتح في العام 1986 وذلك من أجل بقاء اليمنيين في أرضهم.
الإمارات وراء سدّ مأرب، وإيران وراء حروب مأرب التي لا بدّ أن تنتهي يوماً.
*نقلا عن صحيفة: الرأي الكويتية