مأساة أسرة بالتحيتا دمرها التوحش الحوثي

المخا تهامة - Wednesday 09 October 2019 الساعة 03:07 pm
التحيتا/المخا، نيوزيمن، منية عبدالله:

في مايو 2018، استيقظت قرية المدمن التابعة لمديرية التحيتا جنوب محافظة الحديدة، على صوت رصاص وصرخات لم تعهد لها مثيلاً من قبل، خصوصاً أن القرية تُعرف بهدوئها واستقرارها إلى ما قبل دخول ميليشيات الحوثي، في ذلك الصباح المشؤوم، حيث أخذوا يطلقون الرصاص بشكل جنوني على كل ما يصادفهم، حتى المواشي لم تسلم من رصاصهم والتي تعتبر مصدر الرزق والثروة الوحيد داخل القرية.

فقد محمد عبدالله شنينه (60 عاماً) عقله في ذاك اليوم لهول ما تعرض له هو وأسرته من صدمة نفسية قاسية.

تروي آسيا أحمد قليصي، زوجة محمد شنينه، ما حدث، وكلماتها مليئة بالألم والحسرة، وهي تصف المشاهد الوحشية التي قامت بها مليشيا الحوثي الإرهابية.

تقول آسيا لنيوزيمن، "كنا صياما وكانت الحرب تدور من حولنا، تقدمت قوات المقاومة إلى مناطق خلف قريتنا، فظننا أن الحوثيين قد غادروا، لكن كان هناك طريق آخر عبرت منه المليشيات إلى قريتنا وامطرونا بالرصاص، كنا نحتمي خلف الجدران وتحت الأسِرّة ومنبطحين على الأرض داخل المنازل ونحن نترجاهم، ونؤكد لهم أنه لا يوجد بحوزتنا أي سلاح، وعندما توقفوا قليلا خرجنا من بيوتنا رافعين أيدينا".

ورغم ذلك اطلقوا النار على يوسف شقيق محمد شنينه (30 عاماً) وإب لطفلين وأردوه قتيلا، كان يوسف يمشى متجها، نحو زريبة المواشي، لأجل إخراجها معهم للنزوح، ولكن فاجأته رصاصات الحوثيين، فسقط على الأرض مضرجاً بدمائه.

هرع إليه أخوه الأصغر أحمد البالغ من العمر نحو 25 عاماً، والذي كان يختبئ في منزل الجيران وهو يصرخ محاولا انتشاله من الأرض، لكن عناصر المليشيات، لم يمنحوه فرصة لإنقاذ أخيه، أو على الاقل توديعه، فما هي إلا لحظات حتى كان أحمد ملقى بجوار يوسف قتيلا بدم بارد.

ذهل الجميع من هول الصدمة، وفي تلك اللحظة صرخ زوجي، ورمى بنفسه فوق أخويه القتيلين تقول آسيا، لم يتوقف مسلسل الإعدامات، ولم يقتصر على البشر بل وجهوا بنادقهم ناحية زريبة الحيوانات وقتلوا كل ما نملك من بقر وأغنام.

لا أدري كيف تركونا أحياء أنا وزوجي وبناتنا الأربع، كنا في حالة من الرعب، أخذنا الجثتين وغادرنا على الفور دون أن نأخذ معنا شيئاً آخر.

وفي الطريق وجدنا سيارة وركبنا معها، وبعد أن قطعنا مسافة ليست بالكبيرة في خط ترابي انفجر لغم أرضي في أحد إطاراتها وقذف بنا الانفجار على جنبات الطريق، أصبت بشظايا في مختلف أنحاء جسدي وامتلأ صدري وقدمي بها ولطف الله بزوجي وبناتنا، فلم يصب منهم أحد.

قطعنا عدة كيلو مترات وهم يحملوني مع الجثتيين، كنت يائسة من الحياة، وأنتظر لغم حوثي آخر ينهي ما تبقى من أجسادنا المنهكه، فقد زرعت المليشيا الطريق والمزارع ألغاما، وفي منتصف الطريق قابلنا دورية للمقاومة أخذتنا إلى مدينة الخوخة حيث دفن الشهيدان وتلقيت العلاج في المستشفى الميداني، أما بقية أفراد الأسرة، فقد نقلوا إلى مخيم للنازحين.

منذ ذلك الحادث الشنيع وزوجي لا ينطق بكلمة، وأغلب وقته يمضيه بالبكاء والحزن على شقيقيه اللذين قتلتهما مليشيات الحوثي بدم بارد.

لم يكن محمد وحده من دخل في صدمة عقلية، بل كانت فاطمة الابنة الثانية له ذات 17 عاماً، فقد أصيبت بحالة مشابهة، وأصبحت متوحدة يثير رعبها كل شخص غريب يقترب منها، وتقضي وقتها منزوية في ركن الخيمة، بعد أن فقدت قريتها وبيتها وبعضاً من أقاربها، والأكثر ألماً فقدانها عقلها وحياتها الطبيعية.