لماذا يغفر الإسلاميون العرب لأردوغان ما لا يغفرونه للسعودية؟

تقارير - Monday 27 July 2020 الساعة 12:29 am
نيوزيمن، كتب/ حكيم الجبلي:

تحظى تركيا الأردوغانية، لدى الإسلاميين، بالمزايا التي يتمتع بها المذنب الكبير التائب بعد فساد، أو الابن العائد بعد ضلال، أمَّا السعودية فتُحاسَب، من جانبهم، حساب المؤمن الكبير الذي بدأ يعطي نفسه رُخَصاً للتحلُّل عن بعض التزاماته وضوابطه القديمة.

القليل فقط من تركيا الأردوغانية يكفي لمنحها مشاعر الرضا والإعجاب من قبل جمهور الإسلام السياسي السُنِّي في المنطقة.

جرعة تركية صغيرة من المواقف الإسلامية، وجرعة من التصريحات ضد اسرائيل، وبعض مظاهر التدين مثل افتتاح المساجد، كل هذا له مفعول ساحق يشعل الحماسة ويفجر العواطف لدى ألوف الإسلاميين العرب الذين يتحوّل تحيُّزهم إلى تركيا تحيُّزاً ضد السعودية بالضرورة وضد أوطانهم.

لا يحتاج أردوغان إلى أن يفرض الحجاب على النساء التركيات، ولا أن ينسحب من حلف الناتو (المسيحي الصليبي)، أو يغلق الكنائس والأديرة أو يضع حَدّاً للمراقص والبارات ومحلات الدعارة المنظمة في تركيا، ولا أن يقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل فضلاً عن أن يدعم حركة حماس كما تفعل إيران، على سبيل المثال.

لقد استمال قلوب الإسلاميين العرب بخطوات رمزية ليست مكلِّفة حتى الآن، فما الذي سيحدث لهؤلاء الإسلاميين لو أنه ضاعف خطواته نحو المزيد من أسلمة المجتمع التركي، أو قام بتصعيد خطابه العدائي ضد إسرائيل والغرب إلى حد القطيعة، أو أتيحت له فرصة للظهور في مظهر المدافع عن الإسلام؟

أمّا السعودية فتخضع لحساب عسير. سياسات الانفتاح البسيطة الأخيرة في المملكة "تفريط في الإسلام ونشر للرذيلة"، وتليين الخطاب مع إسرائيل "صهينة وخيانة"، مع إن الأمر لم يصل لحد التبادل الدبلوماسي والاعتراف، وعلاقات المملكة العربية السعودية مع أمريكا "انبطاح وعمالة"، مع إن السعودية لم تبلغ في علاقتها مع الغرب إلى حد أن تكون عضواً في حلف عسكري.

وهكذا، فحساب السعودية يتم، عند الإسلاميين العرب، بمعيار غير المعيار الذي يحاسبون به تركيا. يحتفلون بتركيا كما يحتفل المؤمنون بتوبة كبير المجرمين الذي ينتقل بمكانته نفسها إلى الجانب الآخر، فيحصل فيه على موقع كبير المؤمنين.

وبهذه الذهنية يشيطنون السعودية! يعاملونها اليوم معاملة من حاد عن طريق الحق، رغم أنهم لم يكونوا يعتقدون أنها قبل هذا اليوم كانت سائرة على طريق الحق ثم حادت عنه!

وفي تقييم الإسلاميين العرب ونظرتهم الساخطة تجاه السعودية بالمقارنة مع نظرتهم الراضية عن تركيا، تتدخل أهواء واعتبارات عديدة، لعل من بين هذه الاعتبارات أن أردوغان ليس عربياً، وكونه ينطق باسم الإسلام ويؤدي شعائره وهو تركي أعجمي، فهذا وحده يبدو وكأنه يستحق الإكبار والتقدير من جانب العرب، على اعتبار أن الإسلام عربي واعتناق الغريب غير العربي ولو للحد الأدنى من تعاليم ومبادئ الإسلام، هو بمثابة إطراء للعرب يستوجب منهم شكره عليه بالانقياد له.

وفيما تتخلى السعودية اليوم عن النسخة المتطرفة من الإسلام، لأنها كلفتها الكثير من الأعباء الداخلية والخارجية، يسارع أردوغان لالتقاط ما تخلَّت عنه السعودية وتوجيهه إلى نحر السعودية نفسها!

وأردوغان لا يتوب دفعة واحدة. إنه أذكى من أن يفعل. لديه سياسة عجيبة لتقطير التوبة إلى الأفواه الفاغرة، بتدرج محسوب لكي يحصل على أفضل النتائج وأقواها. لا يريد أن يعتادوا على الكثير. سيكون من الصعب إرضاء القطيع بالقليل لو اعتاد على الكثير.

ويظل السؤال الكبير الذي يجب على السعوديين أن يناقشوه بجدية بعيداً عن الأجوابة والأفكار المسبقة، هو:
لماذا يغفر الإسلاميون العرب لأردوغان ما لا يغفرونه للسعودية؟