أنتجت الحوثية 120 ألف “مجاهد” لحروب الإخضاع والموت - دراسة فكرية

تقارير - Sunday 31 May 2020 الساعة 10:13 pm
صنعاء، نيوزيمن:

في حلقته الثالثة والأخيرة يواصل أحمد الطرس العرامي، وهو كاتب وباحث في البنى والتحولات الاجتماعية والقبلية في اليمن، دراسته عن “مبدأ الجهاد لدى الحوثيين.. قراءة في المعتقد والتمثلات (دراسة)”..

لقراءة الحلقة الأولى: محاولات “الهاشمية” استعادة دولة الإمامة من دولة سبتمبر62

والثانية: الحوثية: لا تؤمن بالوطنية وتعتنق “الجهاد” لتحقيق “الحاكمية”

الجهاد لدى الحوثيين.. الأدبيات والطقوس والتمثلات

تقوم البنية الأساسية لجماعة الحوثي على هيكل تنظيمي غير مفهوم تحديداً، ولا يمكن تحليله لنقص المعلومات حوله، وشدة غموضه، لكنه، وبالإضافة إلى القيادات المعروفة، مثل عبدالملك بدر الدين الحوثي، القائد الحالي للجماعة، وقبله شقيقه حسين بدر الدين الحوثي، الذي خاض أول حرب مع الحكومة اليمنية، انتهت بمقتله، وبعض القيادات التي عُرفت مؤخراً على مستوى الإعلام الرسمي والشعبي معاً، فإن الجماعة تكاد تكون ذات بناء هرمي يشكل قاعدته الأساسية ما يعرف بالمجاهدين، الذين شكلوا، إلى ما قبل 2 ديسمبر 2017م، 120 ألف جندي. وهي قوة ظلت تنمو بشكل مطرد مع كل حرب تخوضها الجماعة، وتخرج منها أقوى من ذي قبل. هذه التشكيلات القتالية هي الكيان الشعبي الأساسي للجماعة التي بالرغم من كونها قد بدأت بشكل غامض، إلا أن هويتها وبالتالي تسميتها قد تشكلت وتبلورت أكثر مع الوقت، ولكن المبدأ الجهادي فيها يظل جوهرياً، ويكفي أن نعرف أن جماعة الحوثي، التي تسمي نفسها “أنصار الله”، وتعرف الآن بـ”جماعة الحوثي” أو “حركة الحوثي” أو “الحوثيين”، كانوا يشيرون لأنفسهم بـ”أنصار الحق” و”الحسينيين” و”المجاهدين” و”جند الله”، وهي كلها تسميات تشير إلى طابعها الجهادي الحربي كمبدأ وهوية خاصة.

وهذه الكتائب القتالية، غالباً ما يكون منتموها من الأطفال، أو الشباب الذين لم يتلقوا تعليماً جيداً، وتم استقطابهم من قبل الجماعة وقياداتها[12]، ليخضعوا لمستويين من الإعداد، الأول: عبارة عن محاضرات دينية تعبوية في ما يعرف بالدورات “التثقيفية” أو “الثقافية”، ينفذها محاضرون من القيادات المرجعية للجماعة، يلقون فيها محاضرات حسين بدر الدين الحوثي[13]، أو ينطلقون منها في تلقين المستقطبين أو المستهدفين الجدد، التعاليمَ والأسس الرئيسية للحركة التي من بينها تعزيز مبدأ الجهاد والشهادة في سبيل الله، وتحبيب الموت إلى قلوب المقاتلين أكثر من الحياة، بما يتضمنه ذلك من وعود بالجنة، ومن زهدٍ في الحياة. وأما المستوى الثاني فيتمثل في تدريبات عملية[14]، أهمها قتالية عسكرية تتضمن التدريب على مختلف الأسلحة، بكل ما يشمله التدريب القتالي العسكري المتخصص، الذي يقال إن خبراء إيرانيين يشاركون فيه. ويمثل هذان المستويان مرتكزين أو آليتين أساسيتين في تهيئة أي منتمين أو منضمين أو مستقطبين قبل دفعهم أو الزج بهم في الحروب العبثية التي تخوضها الجماعة.

ومثل كل الجماعات الدينية الجهادية، يعلي الحوثيون من شأن الموت في مقابل الحياة، بل يروجون للموت كسلعة عبر الإعلانات المكثفة في الشوارع والمنازل والخطابات والمساجد والدورات الثقافية الإجبارية، وتركز الأدبيات الخاصة بالجماعة على ثيمة الموت كحقيقة منشودة، وهذا ما يتضح في الملازم والمحاضرات الدينية، والزوامل، بل يتعدى ذلك إلى إصدار أعمال خاصة تستهدف الأطفال، مثلما هو الحال بمجلة “جهاد” المخصصة للأطفال[15].

ويفضي كل ذلك إلى خلق وإعداد مقاتلين غاية في التضحية وحب الموت أكثر من الحياة. إن ما لا جدال حوله هو أن الحوثيين معروفون بتضحيتهم غير المعقولة في كل المعارك التي يخوضونها. لقد قدمت الجماعة عشرات الآلاف من مقاتليها (بعض المعلومات تتحدث عن مقتل 50 ألفاً في صفوف الجماعة منذ أول حرب تخوضها ضد الحكومة اليمنية، سنة 2004م، وحتى الآن). والمعلومات المؤكدة، التي تكاد تكون حقيقة ثابتة، تقول إنه، وفي كل المعارك التي خاضتها الجماعة، عادةً ما كان عدد القتلى في صفوفهم، أكبر بكثير من عدد القتلى في صفوف خصومهم، ويصدق هذا على مختلف المعارك، سواءً في مواجهة القبائل أو القوى السياسية الأخرى، أو الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، ومع ذلك فإن الحوثيين، ولدواعٍ نفسية إعلامية، لا يصرحون بعدد قتلاهم، ويهمهم دائماً الانتصار في أية معركة يخوضونها، بغض النظر عن عدد الأرواح التي يبذلونها في سبيل ذلك، وبغض النظر عن القيمة الاستراتيجية للمعركة نفسها، وحجم وطبيعة الخصم الذي يواجهونه.

وليس ذلك كله سوى ترجمة واضحة لمبدأ الجهاد لدى الجماعة. إن ما نراه من “فدائية” عجيبة، يظهر فيها المقاتلون الحوثيون حبهم للموت، أكثر من الحياة، يشير إلى أي مدى يمثل الجهاد المبدأ الأساسي للروح القتالية لدى مقاتلي الجماعة التي تضم في تشكيلاتها أيضاً ما يسمى “كتائب الموت”، وهي كتائب تتألف من أطفال غالباً تمت تعبئتهم عقائدياً، وفي خضم المعارك يتم الدفع بهم في مقدمة التشكيلات القتالية، لاقتحام المواقع الخاصة بالخصوم على هيئة أمواج، وغالباً لا يعود منهم أحد. من الناحية العسكرية يذكرنا هذا الأسلوب التكتيكي بالأسلوب التكتيكي ذاته الذي استخدمه الإيرانيون في مواجهة جيوش صدام إبان حرب العراق.

ولا يعد عدم التصريح بعدد القتلى في كل معركة، سوى إجراء تكتيكي إعلامي، كما قلنا، فالحوثيون يمجدون الموت، ويزدهون به، وما إن يسقط قتيل من صفوف الجماعة حتى يقوموا بعمل منشورات تتضمن صورته، في برواز أو إطار خاص، يطغى عليه اللون الأخضر، وإلى جانبها شعار الجماعة، ويعلقونها في الجدران والأماكن والمنازل والمركبات، ويبثونها في مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل إعلامهم المختلفة. ولكن أبرزها هي صورة زعيم الحركة “حسين بدر الدين الحوثي”، الذي يطلقون عليه الشهيد القائد، ومن ثم تأتي صور بعض القادة البارزين في الجماعة، أبرزهم صالح الصماد، الذي أنشأوا له “مزاراً” خاصاً في المكان الذي كان فيه “قبر الجندي المجهول” في العاصمة صنعاء.

وتفضي فكرة الجهاد إلى أن كل قتيل هو شهيد، وهو توصيف ثابت وجوهري لدى جماعة الحوثي، معتقداً وممارسة، ولهذا يخصص الحوثيون احتفائية خاصة بقتلاهم، في ما يسمى “أسبوع الشهيد”، وفيها يحتفلون بذكرى الشهيد، ويعلقون فيها صور قتلاهم، ومنذ بداية الحرب لم يزدهر شيء على يد الحوثيين مثل المقابر التي يدفنون فيها قتلاهم، وفي البداية كانوا يخصصون حيزاً خاصاً في بعض المقابر لمن يسمونهم الشهداء، ويزرعونها بالأعشاب الخضراء، هذا قبل أن يفتتحوا مقابر خاصة لهم في عدة مدن يمنية. وهم يسمون هذه المقابر “روضة”، وهي إحدى تسميات الجنة، أو الحيز الخاص بالشهداء في الجنة، ويمثل اللون الأخضر، في شعارات الجماعة، لوناً شيعياً بامتياز، لكنه في ما يتعلق بارتباطه بالموت والشهادة لدى الجماعة، يمثل رمزاً للجنة، أو الروضة التي يفترض أن يأوي إليها الشهداء، وفقاً للمعتقد الإسلامي.

ويدفع الحوثيون بأبناء القبائل، الذين يرون فيهم أدنى مكانةً من طبقة الهاشميين، إلى معاركهم، وقد قتل منهم الكثير، لكن من الملاحظ أن الهاشميين يدفعون بالصغار من أبناء الطبقة الهاشمية إلى الجهاد، وهم يفعلون ذلك لأن في اعتقادهم إمكانية تعويض هؤلاء الأبناء من خلال الإكثار من الإنجاب، لكنه من الناحية الأنثروبولوجية، مثلما هو الحال مع الدفع بأنباء القبائل الذين يرونهم أقل مكانةً، ينتمي إلى ما يسميه رينيه جيرار التضحية البديلة، أي اختيار الأضحية الأدنى مكانة، وهو تسلسل يمضي بالأمر إلى العنف البديل المتمثل في الذبيحة الحيوانية، وهذه الفكرة تتمثل في انسياق الحوثيين في ممارسة تقليد الهجر (ذبيحة حيوانية كاعتذار)، وهي معروفة لدى القبائل، واستخدمها الحوثيون في إرضاء بعض القبائل الذين سقط أبناؤها على يد الحوثيين، وهي تنتمي أنثروبولوجياً إلى فكرة العنف البديل، لكنها تبدو في ذروة تجلياتها، في ما فعله الحوثيون بعد مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، حين قاموا بذبح العديد من الذبائح الحيوانية (البقر)، ووزعوا لحومها على أسر الهاشميين والمنتمين إلى الجماعة، وقد فسروا ذلك بأنه احتفال بكون الله قد جنبهم مغبة الفتنة بمقتل صالح، بينما ينتمي هذا في الأساس، مثله مثل مبدأ الجهاد بشكل عام، إلى فكرة العنف المقدس.

*نقلاً عن “المدونة اليمنية“ موقع تحليلي مستقل، يُعنى برصد التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في اليمن، يرأس تحريرها ريدان المقدم.