عبد الكريم الرازحي.. ضمير الناس وحامل لواء الإبداع والدهشة (الحلقة الثالثة)

متفرقات - Friday 03 April 2020 الساعة 05:21 pm
نيوزيمن، محمد القعود:

12

إن الرازحي النبيل، أعزّه الله وحفظه في حلّه وترحاله عندما يعبّر عن حبه للوطن والناس، فهو لا يجيد الهرطقة ولا إلقاء الخطب المرقعة بالمسكوكات اللفظية المستهلكة والأفكار المنخورة والبائسة، ولا يجيد رصّ ولصق العبارات المجوّفة ولا يجيد تسويق الكلام المفخّخ بالسراب والتفاهات المنفرة للمنطق والعقل.

وإنما يقدم بساطته النابضة بالحياة والنقاء.. يقدم إبداعه العظيم، يقدم لوحته.. بلغتها العذبة.. لغة يفهمها الجميع.. لغة فوتوغرافية رائعة.. تقول للجميع إن اليمن بلدة طيبة ورائعة وجميلة.. وعلينا جميعاً أن نحبها ونحب كل ما فيها من جمال ومكان وبشر وطبيعة وحياة زاخرة بالبهاء، ونتزوّد من ذلك المنهل والمنبع والكنز الثري والعظيم، بالجمال والطبيعة والتاريخ والتراث والثقافة..

ونتباهى بما تملكه بلادنا من ثراء في التراث الحضاري والتاريخ والثقافة والدعوة إلى المحافظة على الكثير من تلك الأمكنة وبيئتها الطبيعية والتعريف بها وبما تحفل به من معالم ومآثر، وتدوينها وتوثيقها، وتشجيع الآخرين على زيارتها والتعرف عليها.

>> عبد الكريم الرازحي..ضمير الناس وحامل لواء الإبداع والدهشة

عبدالكريم الرازحي الأديب والمبدع المتعدد المواهب.. والمبدع المتجدّد والمتدفق عطاء وروعة دوما والمغرد في فضاءاته الطليقة والرحبة بسطوره العذبة، وبجمله الموسيقية وموسيقى أفكاره ومقامات لغته ومعانيه ورؤاه التي صارت تعرف بمقام الرازحي، كما يعرف عشاق الموسيقى أنواع المقامات وخصائصها ومساحات وألوان وطبقات أصواتها وموسيقاها، فهناك مقام الرست ومقام النهاوند ومقام السيكاه ومقام حجازي ومقام الكرد!!

ومقام الرازحي في موسيقى الكتابة والإبداع..!!

قد يبادر أحد الذين لا يعجبهم العجب قائلاً بفذلكة مترهلة: إن الكاميرات الرقمية اليوم تقوم باللازم وما على مقتنيها سوى توجيه عدستها صوب المراد تصويره، وضغط زر التصوير أو لمسه، فيتحقق المراد المطلوب. وباستطاعة أي شخص ليست لديه أدنى معرفة أو خلفية بالتصوير أن يقوم بالتقاط الصور التي يريد بكل سهولة ويسر..؟؟".

قد يكون في ذلك بعض الصحة من حيث إن الكاميرات الرقمية قد تقوم بذلك ولكن النتيجة مشاهد ولقطات آلية من كاميرات جامدة، وجافة، وبلهاء، صماء.. بلا مشاعر..!!

فقط صورة فوتوغرافية؛ تحصيل حاصل لوظيفة تلك الكاميرا..!!

وصحيح إن ثورة التكنولوجيا والاتصال في مجال الصورة الرقمية قد منحتها السعة الكبيرة والسرعة في مقاساتها المختلفة والدقة المتناهية في التفاصيل ودرجات اللون وتفرعاته والعمق البؤري المحدد والمركّز لمجال منظورها وكادرها والتنوع المركز والمحدد بين لقطة البورتريه واللقطة البانورامية... والتقدير المسبق لأي لقطة من حيث حجم مقاساتها وأبعادها وحساسيتها... ومناسيبها الضوئية والجمالية.

لكن كل هذه القدرات والإمكانيات والتجهيزات الالكترونية للكاميرا الرقمية مجرد أنظمة وبرمجيات تقوم بأداء وظائفها المحددة بآلية رتيبة. ولم تمنحها الروح الخلاقة.. والنبض الحيّ.. والإحساس، والمشاعر والدف والحميمية واللغة الناطقة والنابضة بكينونة الصورة وحياتها وجماليتها وبحبلها السري الرابط بينها وبين واقعها ومحيطها.. ولم تمنحها فصيلة دم ولاشهادة ميلاد صالحة للحياة.. ولم تعطها حساً وسرّكُنه لحظة ميلادها.. لحظة خلودها، واستهلالها.. لحظة إعلان ميلادها وامتلاكها لشرط خلودهاّ؟.

13

صوره.. صور سردية بديعة.. تقدم المشهد من زوايا مدهشة.. ومن جوانب مذهلة ومن منظورٍ طاعنٍ في الروعة.. وفي لحظة مشحونة ومباغتة بالجمال والذكاء والبديهة الحاضرة والبساطة والتلقائية العارفة والملمة بأهمية اللحظة الفارقة بين اللقطة العادية واللقطة الفنية المذهلة والمثيرة للإعجاب..

لحظة يتلاقى فيها الزمان والمكان والمضمون عند نقطة تتقاسم وتتقاطع معها، يكون فيها للعين الحساسة والشاعرة قرارها الحاسم والسريع في أسر تلك اللحظة/النقطة بخيوطٍ من ضوءٍ منهمرٍ يرتدّ جمالاً.

14

صور الرازحي، صور بديعة تثرثر بالجمال وترشق متلقّيها بالفتنة..

صور مبدعة ودرر ونفائس ثمينة.. ملتقطة بمهارة فنية من واقع يزخر بالروائع لمن يجيد اقتناصها.. إنها صور صافية، خالية، من فضول وتدخّلات (الفوتوشوب) الجلفة.. صور خالية من المحسنات والمؤثرات الإلكترونية وخالية من ألوان وضلال ومكونات برامج تحسين الصور الفوتوغرافية.

صور الرازحي.. طبيعية ومناظرها ومكوناتها الغذائية والإبداعية خالية كلياً من الألوان والمنكهات والإضافات الكيميائية.. صور طازجة.. ودافئة.. ناطقة بجمالها.. وباكتمالها الطبيعي.. بفصاحتها.. ببلاغتها.. بقوتها.. وببلاغة تعابيرها وأصالة مكوناتها ومفرداتها وما فيها من إيحاءات ودلالات مباشرة وخفية.

هذه الصور.. قصائد مكثفه ورؤى مثقلة بالرؤى ولوحات فنية محتشدة بالجمال والسرد البلاغي الفاتن.. وأغنيات وأناشيد ومواويل صادحة ببوحها ومكنونها وآهاتها وعبق وعطر أسرارها.

صور ولوحات متدفقة بهويتها ومآثرها.. صور تختزل الكثير من الكلام لتقدم اختزالاتها العميقة والقصيرة بمشهدٍ جليلٍ من ملامح وطنٍ نابضٍ بالمجد والثراء الحضاري والتاريخي والطبيعي.

15

الرازحي المعجون بعشق الأرض وسيرة وحياة الإنسان ومفاتن وسحرالامكنة وجمال الطبيعة..

وكما في كتابته الإبداعية من جمال وسمو وبهاء ورسالة ومضامين سامية، هو كذلك في صوره الفوتوغرافية، أو بالأصح قصائده ولوحاته الضوئية، ينشر الجمال والبهاء والدهشة والبهجة والمعرفة والأحاسيس والمشاعر والأشجان النبيلة والقبلات الحميمة ومعالم ومعارف ومشاهد وسرديات حياة، لها طعمها ومذاقها ولونها وإيقاعها المختلف ومكوناتها ومنمنماتها وتفاصيلها المغايرة للمشاهد والمتلقي الغارق في صخب وضجيج المدن وأزمنة وأزمات إنسانها وكائنها المصفّد والمنمط بقيود وسلاسل كآبة المدينة.

الرازحي ومن خلال صوره البديعة ينقل إلى كائنات المدن المثقلة والمحاصرة بقبح ورداءة وغبار وبلادة وبلاهة الأسمنت والمشاعر البلاستيكية والخواء الإنساني، مشاهد ولوحات تضجّ بحياة الحياة وتشرق بنقاء الإنسانية وعبق الأرض الممزوج بعرق فلاحها وإنسانها وفوح حقولها وصباحات القرى وأغاني صباياها ومواويل أحلامها ودخان بيوتها وتفاصيل يومياتها الخالية من أنانية وعنجيهة وعزلة ووحشة مدن الأسمنت وعربدة الخواء في مفاصلها وأعماقها الخرسانية..!

16

الرازحي صاحب العين الخبيرة بالتقاط الجمال وبحساسيتها العالية وبمهارة الشاعر المبدع وشاعريته العالية والكثيفة وبثقافته الجمالية ومعرفته وتتبعه للجماليات الخفية والظاهرة لمكونات الصورة والمشهد واللقطة وببساطة متمكنة وبحرفنة خبيرة وحرفية عالية وباختيار ذكي لمكون الصورة، جاءت صوره ولوحاته البديعة لتفاجئ وتغمر المتلقي والمتابع والمشاهد لصفحته بكمية متدفقة ومتلاحقة ومتوالية ومتراكمة من الجمال الآسر المبثوث والمسكون في ثنايا تلك الصور الناطقة بالحياة وبمساكنها ويحيط بها من جمال وواقع ومضامين بهيجة..

والتي من خلالها وعبرها نقل ودوّن وعرض الرازحي جوانب متعددة ومتعمّقة، ومن زوايا مختلفة روعة الريف اليمني وطبيعته ومكوناته الساحرة والخلّابة وتضاريسه المتعددة وقُراه وحقوله وجباله وسهوله ووديانه..بيوته وأزقته ودروبه.. ممراته وأسواقه.. أحجاره وينابيعه ومجاري سيوله... قلاعه وحصونه.. ومبانيه وملامح أمكنته المندثرة.. تجمعات سكانه.. ومعماره المتعدّد.. أبوابه وشرفاته ونوافذه وساحاته.. وتراثه وفلكوره وفنونه.. وصناعاته الحرفية والشعبية.. ملابسه وعاداته.. أشجاره وينابعيه وبركه الآسنة والجارية.. وحوانيته ودكاكينه.. ومحلاته الشعبية.. ورعاته وأغنامه وأبقاره وحميره وعصافيره وتيوسه، وعقلاه ومجانينه.. وأحلام ناسه وهمومهم..!!

(يتبع)