الغارديان: إحياء "الذهب الأسود" قد يُحدث ثورة زراعية في اليمن

إقتصاد - Friday 21 February 2020 الساعة 09:38 am
نيوزيمن، ترجمة خاصة:

تشعر في حراز، وهي مجموعة قرى في مرتفعات اليمن تعود إلى القرون الوسطى، أنك بعيد تماماً عن الدمار الذي خلفته الحرب في البلاد. وتُغيِّم صفوف السحب على الشرفات الخضراء بالزراعة وتعانق المنازل المتعلقة بجانب الجبل كخبز الزنجبيل، وتخلق هذه الظروف البيئية الفريدة بعضاً من أفضل أنواع القهوة في العالم.

كان اليمن يصدر القهوة منذ القرن الرابع عشر ميلادية، إذ سُميت القهوة بالشوكولاتة (الموكا) على اسم ميناء المخا في البحر الأحمر. ورغم أن نبات القهوة منشؤه إثيوبيا، فقد تطوَر ليصبح على الشكل الذي يعطينا هذا المشروب الحديث على أيدي الأديرة الصوفية في اليمن، حيث كانوا يشاركونه مع التجار والحجاج. وفي النهاية، شقت القهوة طريقها إلى القسطنطينية (إسطنبول الآن)، وبغداد ولندن، مما أدى إلى ظهور المقاهي.

تقدر صناعة القهوة في يومنا الحالي بحوالي 61.4 مليار جنيه إسترليني، مما يجعل القهوة أعلى السلع التجارية قيمةً في العالم بعد النفط. لكن عقوداً من عدم الاستقرار السياسي تعني تذبذب توافر حبوب البن اليمني، لكن الآن عقدت حفنة من المزارعين والمصدرين العزم على استعادة سمعة مولد الذهب الأسود.

يقول المزارع حسن أحمد السلول في حديثه لصحيفة الغارديان: "ظلت عائلتي تزرع القهوة هنا، لأكثر من 200 عام". وأضاف: "كان لدي متجر لقطع غيار الدراجات النارية في صنعاء، لكن عندما اندلعت الحرب، ركدت الأعمال، وعانيت لاستيراد القطع من الصين، فعدت إلى الوطن وقررت أن أجرب زراعة القهوة.. أشعر بحرية أكبر هنا، والعمل مجزٍ. إذا أحسنت إلى الأرض، سترد لك الإحسان".

عانى اليمن طويلاً من مشكلات مزمنة في إدارة الموارد المائية، وهي مشكلات تتفاقم بسبب ولع اليمنيين بالقات، تلك الأوراق النباتية المخدرة الخفيفة التي يمضغها معظم الرجال. تستخدم على الأقل نصف المياه المسحوبة من مصادر المياه الجوفية المنهكة للأغراض الزراعية في زراعة القات، وهو محصول سريع، ليس مثل الذرة، أو الشعير التي تحتاجها بشدة هذه البلاد غير المؤمنة غذائياً.

في حراز، يقرر المزيد والمزيد من السكان أن يزيلوا القات من الأراضي الزراعية أمام منازلهم ويتجهوا إلى زراعة القهوة بدلاً من ذلك، وهي خطوة قد تسبب ثورةً في الزراعة اليمنية. أزيلت حوالي 2 مليون شجرة قات في المنطقة وحلت محلها القهوة والذرة في العقد الماضي.

ما زالت زراعة القهوة عملاً شاقاً، إذ يستغرق المحصول الواحد عدة مواسم ليصل إلى النضج، ويطلب العديد من المزارعين تمويلاً من أجل البدء. توفر شركات تصدير صغيرة مثل Mokha Route و Port of Mokha وMokha Mountain قروضاً دون فوائد، وتدرب المزارعين على استخدام أجهزة تحليل الرطوبة، وجداول التجفيف الحديثة، والأسمدة العضوية.

تُجمع حبوب القهوة الحمراء الناضجة، وتُجفف، وتُترك لفترة، وتُفصل الحبوب عن القشور يدوياً. عادةً ما تكون الأراضي المرتفعة عرضة للجفاف، لذلك يبني المزارعون مثل السلول باستمرار سدوداً صغيرة، ليقودوا مياه الأمطار من أعالي الجبال في قنوات.

الظروف الصعبة تعني أن المحاصيل محدودة، لكن إنتاج "حراز" له شهرة واسعة حول العالم، بسبب الأطعمة الفريدة والمتنوعة من الكراميل، والشوكولاتة، والتوابل، والفانيليا، بالإضافة إلى نكهات الليمون، والجوافة، والتوت البري، والتفاح.

لكن الحرب في اليمن، تخلق أيضاً مشاكل لمصدري القهوة الناشئين.

يبيع السلول قهوته مقابل 18 دولاراً للكيلوغرام. ثم يُباع المنتج الذي يسعى إليه الكثيرون إلى مشترين غالباً في السعودية، وكوريا الجنوبية، واليابان، والولايات المتحدة، حيث يمكن أن تباع بحوالي 500 دولار للكيلوغرام، لتصبح أغلى قهوة في العالم - ويقال إنها الأفضل في العالم كذلك.

يتفاخر المشترون مثل أحمد طاهر من شركة (موكا ماونتين) بأنهم يدفعون جيداً لمزارعي ومنتجي "حراز" لتشجيع الممارسات الأفضل، وإعادة تأسيس صناعة القهوة في اليمن.

ويقول طاهر: "كان التأسيس للزراعة الجماعية هنا عملاً شاقاً جداً، لكننا متفائلون للغاية بمستقبل ونمو التجارة. الطلب عال جداً، وهذا مفهوم بسبب جودة منتجنا عالي الجودة".

وأضاف طاهر: "لم أعتقد أبداً أن الحرب سيكون لها إيجابيات، لكن العديد منا اكتشفوا أصولهم في قرى أجدادنا، وعدنا للممارسات التي عاش عليها آباؤنا وأجدادنا.. إنه تقليد خاص جداً".

*صحيفة "الغارديان" البريطانية