الأديبة التونسية عنان عكروتي لـ"نيوزيمن": جماعة الإخوان تحمل مشروعاً متوحشاً

تقارير - Friday 13 December 2019 الساعة 11:42 am
نيوزيمن، حوار/ عبدالفتاح الصناعي:

قالت الأديبة والناشطة التونسية "عنان عكروتي"، إن الحياة السياسية في تونس تعيش معركة ثنائية الدين والحداثة، وأصبحت منذ ما بعد 2011 مافيا لفساد ينخر في السلطة والمجتمع، ويهدد بانفجارات كبيرة لا يمكن توقع نتائجها.

وأوضحت عكروتي، في حوار خاص مع "نيوزيمن"، أن ما قام به الإخوان من اغتيالات في 2013 وتهديد الشعب بحرب أهلية جعل المجتمع يخاف من سيطرتهم وتغييرهم الهوية التونسية الوطنية والحضارية وطبيعة الشعب المسالم.

مشيرة إلى أن الإخوان أقلية يمثلون أقل من 20 في المائة، وصعودهم هو نتيجة تشتت القوى الأخرى، ولكن تم هزيمتهم أكثر من مرة، بإبعادهم من السلطة، وبإسقاط دستورهم الداعشي، وكلما كشروا عن أنيابهم كان الشعب لهم بالمرصاد.

ولفتت إلى أنه تم انتخاب الرئيس الراحل السبسي، لأنه كان المنقذ من كابوس الإخوان.. في حين تم انتخاب الرئيس الحالي قيس سعيد كأفضل الخيارات المتاحة، لأن معركة المرحلة أصبحت ضد الفساد على الرغم أن هنالك تحفظات كثيرة عليه وشكوك بقدرته على خوض هذه المعركة، مبينة أن التونسيين ما زالوا يبحثون عن الأب والمخلص الذي يتسع لهم ويحميهم من المخاطر.

وتناولت الأديبة التونسية في الحوار طبيعة المواجهة حالياً مع جماعة الإخوان والتطورات التي تشهدها الساحة التونسية في مختلف المجالات بما في ذلك الحركة الأدبية والثقافية التي أكدت أنها "في أوج عطائها رغم الأمراض المتوارثة: من حيث الفساد والمحسوبية والخطاب الكلاسيكي الذي يجعلها تفقد التأثير الجماهيري".

فإلى نص الحوار:

•• استاذة عنان عكروتي، ما الفرق بين انتخابات 2014 و2019م في تونس من حيث التعاطي والنتائج؟

في 2014 كان التصويت مبنياً على ثنائية الدين والحداثة، وأغلب الذين انتخبوا الرئيس الراحل كانوا يعتبرونه معادياً للدولة الدينية التي يريد فرضها الإخوان، وهو المخلص من ذلك الكابوس حتى وعوده الانتخابية كانت عدم التحالف مع حزب الإخوان ومواصلة بناء الدولة حسب الرؤيا البورقيبية، وقد وقع الحشد للتصويت المفيد.

بعبارة أخرى، التصويت في انتخابات 2014 انبنى على ثنائية معسكر الثورة والعسكر المضاد للثورة، وقد انبثق عن هذه الثنائية اعتبار كل من حكموا بعد ثورة 2011 فساداً تحالفوا مع المافيا ويجب الإطاحة بهم وإيجاد طبقة حاكمة جديدة كان قيس سعيد رمزاً لها.

لأن ما حدث من اغتيالات سياسية في 2013 جعل أغلب التونسيين يخافون من الإخوان وسيطرتهم على الدولة ويخافون من تغيير هوية المجتمع التونسي المنفتح على القيم الإنسانية إلى مجتمع منغلق تتحول فيه مدنية الدولة التي يريدها التونسيون إلى دولة تيوقراطية تعدم فيها كل مقومات الإنسان.

أما 2019 كان التصويت كردة فعل على الفساد الذي استشرى في الدولة ونخرها ووأد كل أحلام العيش الكريم، فكان التصويت لطبقة جديدة لم تمارس السياسة سابقاً.

بشكل عام الانتخابات في كلا الدورتين كان يقودها نوعا ما أيقونة الرجل المخلص أو الأب الذي سيضم الجميع تحت جناحه ويحميهم من الخطر الداهم.

قيس والجهاز السري للإخوان

•• ماذا يمثل اليوم الرئيس قيس سعيد؟ وهل تتفقين مع مشروعه؟

أولاً، أنا لست من الطرف المؤيد لقيس سعيد، ولم يكن اختياري منذ البداية، لكن في الدور الثاني لما كان الاختيار بينه وبين منظومة الفساد اخترته لنظافته، رغم أني أتحفظ على الكثير من طرحه، فأنا أرى مثلا موقفه من المساواة في الميراث غير واضح، والعديد من الأشياء التي تتعلق بالحقوق الكونية متذبذب فيها، كما أن موقفه من الجهاز السري للإخوان غير واضح ويتحاشى الرد كل ما تعلق الأمر بذلك.

لكن في المقابل هو غير فاسد ويمثل الاتجاه المعادي للفساد، وهذا فعلا ما نحتاجه. وعد بمقاومة الفساد وبتشريع قوانين جديدة تحاربه وتضرب على أيدي العابثين، لكن لا أعرف كيف ستمرر هذه القوانين وهو لا يملك كتلة برلمانية.

حتى موقفه من القضايا الخارجية كانت فضفاضة رغم أنها أثرت فينا أيام الحملة كمعاداته الواضحة للتطبيع، لكن على مستوى الواقع رئاسة الجمهورية لم تصدر أي بيان تجاه ما يحدث في فلسطين والحملة الوحشة للاحتلال الصهيوني.

أنا لا أريد أن أكون متسرعة في الحكم عليه، وأتمنى أن يكون في مستوى انتظارنا. مر أكثر من شهر ونصف على استلامه مقاليد السلطة ولم نر مبادرات أو قرارات فعلية تطمئننا على الأقل.

"الإخوان" تحمل مشروعاً متوحشاً

•• هل كان نبيل القروي أكثر حداثية من قيس سعيد وجدية بالانتصار للتشريعات ومحاربة التطرف، أم أن الأمر لم يكن أكثر من دعاية انتخابية؟

نبيل القروي لا يمثل الجانب الحداثي مطلقا، هي مجرد صورة تسويقية وأنا أعتبره لا يختلف عن النهضة أو أي حزب ليبرالي.

وهو فاسد ولا يحمل أي مشروع، كما أنه أحد شقوق حزب النداء، هذه الأحزاب تتوافق طبيعيا مع الإخوان لأنها تحمل نفس المشروع الاقتصادي الرأسمالي المتوحش.

عندما يصلون إلى السلطة لا تعود تعنيهم الحريات ولا المساواة ولا العدالة الاجتماعية، هذه الأحزاب القروي أو حزب رئيس الحكومة أو عبير موسى أو النهضة كلها أذرع تشتغل بها المافيا وكلها تتفق وتحالف وخير دليل ما حدث في انتخابات رئاسة البرلمان تحالف الغنوشي مع القروي فأخذت النهضة الرئاسة وحزب القروي النائب الأول للرئيس.

قبل الانتخابات سوقوا انهم لن يتحالفوا وبعدها كذبوا وتحالفوا مثل ما حدث بعد انتخابات 2014.

هذه الأحزاب تمثل مصالحها ولا تمت للشعب باي صلة.

نبيل القروي لم يكن أبدا حقوقية او يهتم لذلك. كان تاجرا ناجحا. تاجرا في كل شيء في فقر الناس وحتى موت ابنه.

توافق للتغطية على الفساد والإرهاب

•• اذا حدث فعلا وتطور التحالف ببن القروي والغنوشي كأحزاب سلطة فكيف ستتبلور المعارضة؟

التحالف الذي تشكل إلى حد الآن بين حزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب اللذين يمثلان المقاربة الاجتماعية للدولة والتيار المحارب للفساد هذان الحزبان كونا مع نواب آخرين يساريين وديمقراطيين كتلة برلمانية ب41 نائبا يمكن تكون الكتلة الأولى للمعارضة والتي تتولى رئاسة لجنة المالية.

بالنسبة لتشكيل الحكومة أتوقع تحالفا بين النهضة وقلب تونس وحركة الكرامة وحزب الرحمة والكتلة الإصلاحية. من مصلحة هذه التشكيلات أن تتحالف لأنها تمثل نفس الاتجاه سواء من حيث المقاربة الاقتصادية للدولة أو حتى المحافظة على مصالحها

التوافق سيكون من أجل التغطية على الفساد من جهة والتغطية على الجرائم الإرهابية والفساد ايضا من جهة أخرى.

ننتظر نفس التحالف السابق الأحزاب الليبرالية بشقيها الديني والحداثي المعادي لمصلحة الشعب.

•• كيف تقرأين طبيعة المعركة السياسية القادمة بين أحزاب السلطة والمعارضة؟ وكيف سيكون أدئ الرئاسة؟

صحيح أن الرئيس ليس له كتلة برلمانية لكن له قاعدة شعبية واسعة جدا وهذا ما تؤكده استطلاعات الرأي الآن أو ما يسمى البارومتر السياسي الشهري.

انتظارات الشعب كبيرة جدا من الرئاسة، وهو قد قال انه اذا لم يجد مساندة برلمانية سيلتجئ إلى الاستفتاء.

الرئيس بيده الدفاع والخارجية وسلطته محدودة، لكن اتوقع ان يحاول ان تكون له صلاحيات اكثر، لان النهضة ايضا تريد استغلال المساندة الشعبية للرئيس بأن تظهر انها ايضا في المعسكر الثوري.

أحزاب المعارضة وخاصة حركة الشعب اقترحت حكومة الرئيس يعني أن يتولى الرئيس اختيار رئيس الحكومة وطاقمه وان تدعمه الاحزاب الأخرى، وهذا ما عارضته النهضة خاصة.

الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد هش جدا والميزانية القادمة ستتعب كاهل الشعب اكثر، وانا اتوقع حراكا شعبيا كبيرا ربما يكون الرئيس من مسانديه.

أحزاب المعارضة شكلت كتلة وسيكون لها وزن كبير عكس الدورة النيابة السابقة.

حزب الشاهد وعبير موسى سيكونان ربما في المعارضة هروبا من التحالف مع النهضة التي اثبتت التجارب الماضية ان من يقترب منها ثم يتلاشى محاولة تزعم ما يسمى بالأحزاب الوسطية هذه الاحزاب التي أدى تشتتها إلى صعود النهضة.

في تونس هناك ايضا الاتحاد العام التونسي للشغل وثقله، وأعتقد أن الصدام بينه وبين الحكومة متوقع خاصة أن الهجومات متبادلة بين الطرفين واي حكومة لا يساندها الاتحاد لن تصمد.

أخيرا.. اليسار رغم انه الخاسر الكبير حيث لم يصعد عنه الا نائب واحد، الا ان الشارع ملعبه الكبير الذي لن يتركه.

الصدام بين الإخوان والشعب التونسي

•• ما الانتكاسات التي مرت بها تونس منذ 2011 وكذلك التقدمات والتطورات الايجابية؟ وكيف كانت معركة إسقاط الإخوان التي قادها اتحاد الشغل؟

عندما استفحل الصدام بين الإخوان وبقية التونسيين في اعتصام الرحيل بعد اغتيال الشهيد محمد البراهمي والخوف من الحرب الأهلية التي هدد بها الإخوان تدخل اتحاد الشغل ومعه الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وعمادة المحامين ومنظمة الاعراف لتهدئة الأمور. وهذه المنظمات وخاصة اتحاد الشغل لها وزنها وثقلها الشعبي فحلت الصراع وازاحت الإخوان سلميا.

تونس بعد 2011 عرفت تركيز الحريات وهو مكسب كبير جدا ولا يمكن التراجع عنه لكن في المقابل تعرف انحدارا اقتصاديا ولا ابالغ ان قلت انها على حافة الإفلاس. هذا التقهقر الاقتصادي انعكس على اغلب الفئات الاجتماعية التي زادت أوضاعها سوءاً وادت إلى اهتراء الطبقة المتوسطة التي كانت صمام الأمان الاجتماعي.

هناك تضخم مالي رهيب وانحدار الدينار إلى أسوأ مستوياته، تجميد الانتدابات في الوظيفة العمومية مع صعود صاروخي للأسعار. فساد ينخر الاقتصاد والمجتمع ويهدد بانفجارات كبيرة لا يمكن توقع نتائجها.

برنامج صندوق النقد الدولي اجهز على كل حلم جميل في تونس.

ضعف المشاركة في الانتخابات

•• هل تعتبر معركة الانتخابات معركة نخبوية أكثر من كونها شعبيه؟ وماذا يفسر ضعف التفاعل الشعبي مع الانتخابات؟ هل يعني هذا بأن قيس سعيد صعد بقاعدة نخبوية اكثر من كونها شعبية؟ وبأن أي حراك شعبي لن يكون في صالح الرئيس بقدر ما يعمل على تجاوزه؟

لا يمكن القول بأن الرئيس صعد بأغلبية نخبوية وحسب، وهو تحصل على أكثر من 70 بالمائة من الأصوات، أما نسبة المشاركة في الانتخابات فكانت أقل من النصف. فلم يكن هنالك مشاركة كبيرة، لأن الاغلبية ملت الطبقة السياسية ونفرت منها.

بمعنى أن نسبة الإقبال لم تتجاوز الثلاث والثلاثين في المائة في الدورة الرئاسية الأولى وال46 في المائة في الثانية. أيضا نسبة إقبال الشباب كانت ضعيفة جدا عكس الفئات العمرية فوق الخمس والخمسين كان اقبالهم كبيرا جدا تجاوز السبعين بالمائة ونسبة الرجال والنساء متقاربة جدا.

أما اسباب عدم الاقبال فهي عدم ثقة في الطبقة السياسية وقدرتها على التغيير وقيادة البلاد.. الاغلبية تعتقد أن المتقدمين للانتخابات يبحثون عن نفوذ وحماية مصالحهم ومصالح حلفائهم والبحث عن حصانة من القانون.

رجل قطر وبيدق بيد الإخوان

•• كيف تنظرين إلى الفروقات الجوهرية بين المرزوقي والسبسي؟ وكيف تفسرين التقدم الذي حدث بعهد السبسي؟ ما أسبابه هل تتعلق برؤية الرجل الشخصية ام هنالك أسباب أخرى؟

المرزوقي كان صعوده صدفة وكان بيدقا بيد الإخوان يشكلونه كيفما يريدون. كان رجل قطر في الدولة ولاؤه لتحالفات خارجية اكثر من ولائه للدولة.. كان ضعيف الشخصية وانكشف ذلك سريعا.

السبسي من اذرع النظام الذي حكم بعد الاستقلال، فيه دهاء وخبث ومحنك في السياسة. لعب على قانون الإرث بالمساوة.. درس الحقوق بفرنسا قبل الاستقلال وتأثر بالثورة الفرنسية والحركة التنويرية هناك، وكان من الأوائل الذين اشتغلوا مع بورقيبة يحملان نفس الفلسفة والعقلية، اما ابن علي حتى البكالوريا لا يملكها، ارتقى في السلم العسكري ارتقاء سريعا ثم اشتغل بالداخلية.

وله ايضا أخطاء كبيرة.. فقد غطى على الفساد كثيرا وتحالف مع الإخوان كان على هذا الأساس قد أضر بالدولة فقانون المصالحة الذي مرره بيض الفاسدين وأعادهم للمشهد. كان هذا القانون للمناورة السياسية لان كتلته تمزقت. خريطة التحالفات بين السبسي والإخوان تشكلت في لقاء باريس 2013.. ولا يزال هذا مسؤولا عن الواقع اليوم بتونس.

تقدم المغرب العربي على المشرق

•• ناقشنا باحثين ومفكرين كبارا حول تقدم المغرب العربي على المشرق العربي.. هل تجدين بأن هذا قد انعكس على عدة نقاط:
بداية من الزعم بتقدم الإخوان بتونس بفكر الغنوشي واعترافاته ببعض الاخطاء على خلاف تطرفات وتصلبات مواقف الإخوان بمصر وغيرها، فيلعبون اليوم سياسة بتونس وبكل خطرهم فهو أقل من الإخوان بالأماكن الأخرى، هذا من ناحية. ومن الناحية الأخرى مواجهة الشعب التونسي لهم سلميا والتفاعل ببن العاملين.

ثانيا: الفاعلية التي قدر يلعبها السبسي، رغم أن السياسيين القدامى ورجالات الأنظمة السابقة فشلوا وتعثروا جدا في غير تونس.

ثالثا: ديناميكية اليسار المختلفة جدا بتونس، في حين انتهت فاعليته تماما بغير تونس. فبتونس وصل اليوم الرئاسة وغدا سيقود المعارضة. كل هذا على خلاف أو على الأقل بفوارق كبيرة مع هذه التيارات بالدول الاخرى.

كيف تقرأين كل هذا في السياق الفكري والسياسي؟

خصوصية المغرب العربي بشكل عام انه مجتمع منفتح ككل شعوب المتوسط وشعوبه غير متعصبة ونسبة التمدن مرتفعة كثيرا مقارنة بالشرق.

شعوب المغرب نهلت من فلسفة الانوار وتأثرت بمبادئ الثورة الفرنسية. تدرس الفلسفة في مدارسها وهذا يحدث الفارق مع شعوب المشرق التي ترزح تحت كلاكل الخرافة والتعصب الديني.

انا استثني طبعا سوريا والعراق اللتين عرفتا حركات تنويرية كبيرة ولبنان الذي له خصوصيته الطائفية.

تونس حالة خاصة غير باقي دول المغرب. فنحن منع عندنا تعدد الزوجات من 1958 ولنا مجلة أحوال شخصية متقدمة جدا لم تصل إلى مستواها باقي دول المغرب العربي.

الإخوان في تونس تعرف تمارس السياسة لربما أكثر من الآخرين فهم يجيدون المناورة السياسية، والغنوشي استوعب درس إخوان مصر فغير من معاركه 180 درجة. انظر الإخوان في تونس يمثلون اقل من 20 في المائة، وصعودهم هو نتيجة تشتت القوى الأخرى.

الشعب التونسي شعب مدني ومسالم لا يحب العنف ولا التعصب.

الإخوان في البداية كشروا عن انيابهم لكنهم وجدوا منظمات المجتمع المدني ومن ورائها أغلب التونسيين واقفين لهم بالمرصاد.

اعطيك مثالا، الدستور الجديد، النسخة الإخوانية كانت داعشية بامتياز، لكن اصرار التونسيين وما حصل اثر الاغتيالات السياسية واعتصام الرحيل فرض دستورا حداثيا تتباهى به النهضة الآن.

وكان من نتيجة ذلك إبعاد الخط التشدد أمثال حبيب اللوز وشورو. وأعلنت فصل الدعوي عن السياسي. نحن نعلم انها تناور وتحاول التملص من ارثها الإخواني لتقبل داخليا وخارجيا.

السبسي في البداية كان أحد قيادات الدولة وكان رئيس اول برلمان من برلمانات ابن علي. لكن حصلت خلافات بين ما يسمى البلدية والسواحلية فوق العادة لان الشق الثاني هو الغالب.. وقبع تحت الإقامة الجبرية. دخل السياسة منذ الاستعمار ثم تأسيس الدولة الوطنية مع بورقيبة.

كان هناك صراع مصالح متضاربة بين السبسي وابن علي أن تكون السلطة بيده. رغم انهما ينتميان إلى نفس المنظومة ونفس المدرسة السياسية.

لكن الفارق بأن السبسي درس الحقوق بفرنسا قبل الاستقلال وتأثر بالثورة الفرنسية والحركة التنويرية هناك وكان من الأوائل الذين اشتغلوا مع بورقيبة يحملان نفس الفلسفة والعقلية اما ابن علي حتى البكالوريا لا يملكها، ارتقى في السلم العسكري ارتقاء سريعا ثم اشتغل بالداخلية.

اليسار والمستقلون

اليسار في تونس نظيف اليد وخارج تحالفات الفساد الذي بين الأحزاب الليبرالية والنهضة، وله علاقة متصلة بالشارع لم تنقطع.

وقيس سعيد لا يتبع أي تيار ديني أو عروبي هو توجه جديد ومستقل، مدير حملته يساري معروف.

•• ماذا تبقى في الوعي الشعبي والسياسي والثقافي بتونس من هذه الأحداث: انتحار البوعزيزي، مقتل شكري بلعيد، وفاة السبسي، وفاة ابن علي ومرحلته؟

البوعزيزي لم يعد أحد يذكره الا نادرا جدا.
شكري سيظل أيقونة تونس الخالدة حتى من قتلوه اليوم صاروا يذكرونه بخير. تونس كلها تذكره بكل حرقة، والتونسيون يعتبرون انهم خسروا رمزا ورجلا حقيقيا حاملا لشروع حقيقي للتغيير.

السبسي لم يعد يذكره احد.
ابن علي يتذكره الناس اكثر ممن خابت آمالهم في الثورة ومن يخافون من تغول النهضة.

هؤلاء يعتقدون ان سياسة ابن علي في قمع الإخوان كانت ضرورية لتخليص تونس من شرهم.

تدخلات قطر وتركيا في تونس

•• ماذا عن التدخلات الخارجية في تونس وتطوراتها وتحولاتها؟

التدخلات الدولية دائما موجودة. ربما الأفضل أن نتحدث عنها بعد 2011.. حيث ظهر المحور القطري التركي وأثر في العملية السياسية في تونس وإلى الان وهو الحليف للإخوان.

بعد صعود السبسي تراجع هذا المحور وأراد السبسي ان يتبع سياسة بورقيبة وان يوجد توازنا فأعاد الحرارة للعلاقة مع السعودية. وكانت الإمارات أول من وقفت معه ودعمته.

انتعاش الحركة الأدبية

•• كيف تسير الحركة الادبية والثقافية من بعد2011؟ ما ابرز تطوراتها بشكل عام؟ ما مدى تأثيرها وأهم تعثراتها؟ وهل تقف اليوم بصف قيس سعيد أم ضده؟

الحركة الأدبية انتعشت كثيرا وجدت هامش الحرية الذي تحصلت عليه. تعددت الإصدارات الورقية والمسرحية والسينمائية وبقية الفنون. كل الميادين عرفت طفرة.

نقطة الضعف تقلص موازنة وزارة الثقافة ولم تساير هذا التطور.

المهرجانات الثقافية تعددت بمختلف ألوانها واتجاهاتها وتقريبا يوميا هناك العديد من التظاهرات الثقافية في كل مكان.

هناك من يؤيد قيس سعيد وهناك من يرفضه.

الاراء والتقييمات مختلفة وهذا طبيعي ودليل على صحة ما يحدث في تونس. ادباء البلاط تراجع عددهم وربما اختفوا.

ميدان الثقافة ككل شيء في تونس ينخره الفساد والموالاة والمحسوبية مع بعض الاستثناءات..

وبشكل عام فالحركة الإبداعية في اوج عطائها وثرية جدا.

لكن مشكلتها بأنها لم تتخط حدود الصالونات ولم تخلق ثورة ثقافية تقود التغيير. المثقفون لا يزالوا معزولين جماهيريا لم يجد الأداة التي تمكنهم من إيصال أفكارهم للجمهور. خطابهم كلاسيكي لا تجديد فيه سبب نفورا منهم.